أياً كان مصدر العسل فلن ينادي البائع في أي مكان في مصر علي بضاعته بغير «عسل نجع حمادي عسل حلو طازة» ففي نجع حمادي التي أطلت الفتنة الطائفية عليها برأسها منذ الأربعاء الماضي 7 يناير - أقدم مصانع السكر والعسل والذي يعود لعهد الخديو إسماعيل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومنه أجود أنواع السكر والعسل الأسود، وبها أكبر مصنع في الشرق الأوسط للألومنيوم تم بناؤه في منتصف سبعينيات القرن الماضي وبها أضخم محطة محولات كهرباء بصعيد مصر، وهي تنقل الكهرباء من السد العالي إلي بقية البلاد، وبها القناطر الأشهر في صعيد مصر والمعروفة بخزان نجع حمادي وقد أنشئت عام 1939، وبها المقر الرئيسي لمحطات الري المصري المعروفة باسم «محطات الدرب» والتي أنشئت في منتصف القرن التاسع عشر للتنسيق والإشراف علي مشاريع الري المصرية ليس فقط داخل مصر وإنما علي امتداد النيل من هضبة الحبشة وبحيرة فيكتوريا وأعالي النيل، وعندما زار الملك فاروق ملك مصر الراحل صعيد مصر في أربعينيات القرن الماضي لم يجدوا له لا أجمل ولا أروع من استراحة الري بنجع حمادي للمبيت فيها. 26 كيلو متراً فقط تفصل قريتي عن نجع حمادي لكنها كانت الأقرب إلينا فهي الحاضرة وفيها السينما والمسرح والمكتبة والمجلة والصحيفة ومصادر المعرفة والمستشفي والمدرسة الثانوية والمعهد الأزهري، ومنها اشترينا أول جهاز تليفزيون ومنها اشتريت أول آلة حاسبة وفيها تتوقف القطارات الفاخرة التي تستعصي علي قرانا، وفيها نقضي أيام الأعياد علي كورنيش نيلها الرائع نتأمل جمال قصر البرنس يوسف كمال أحد أشهر أمراء الأسرة العلوية والذي مات دون أن ينجب وكان يملك جميع أراضي نجع حمادي والتي تتميز بالخصوبة العالية نلعب في حدائق المانجو علي ساحلها، إنها مدينة كل شيء بها التاريخ والحاضر وفيها وبين أهلها احتمي الرئيس المصري الراحل أنور السادات عند فصله من الجيش في أربعينيات القرن الماضي، وفي باطن أرضها عثر علي مخطوطات نجع حمادي، و تضم أقدم كتابات غنوصية تعود للقرن الخامس الميلادي وهي التي تُعرف أيضاً باسم «المكتبة الغنوصية» وقد اكتُشِفت في عام 1945، وتحتوي هذه المخطوطات علي الأناجيل والكتابات الغنوصية، مما كان له شأن عظيم في معرفة الغنوصية التي كانت آدابها مجهولة حتي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وهي تتشمل علي 48 كتاباً، تبلغ في مجملها ألف صفحة. رغم كل هذا الجمال وذلك التاريخ تضم نجع حمادي أكبر خصومة قبلية بين العرب والهوارة وما أكثر تلك الحكايات والحوادث الثأرية التي استيقظنا عليها في نجع حمادي، ولعل من أبرزها تلك الحادثة التي فقد فيها رئيس الإذاعة المصرية الأسبق وعضو البرلمان عن نجع حمادي فهمي عمر اثنين من أبنائه وشقيقه، ومع هذا بقي المسيحيون في نجع حمادي تجاراً أثرياء أصحاب شركات وحرف فنية يعيشون بسلام وسط إخوانهم المسلمين يتحولون أحياناً إلي وقود للمعارك الانتخابية مثلهم مثل بقية أبناء المدينة وقراها حتي تصاعدت سطوة مطارنية نجع حمادي للأقباط الأرثوذكس - بحسب روايات أبناء المدينة - ودست أنفها في السياسة وراحت تتحدث عن اضطهاد، بل وصل الأمر أن قاد مطران نجع حمادي الأنبا كيرلس حملة واسعة ضد محافظ قنا الحالي اتهمه فيها باضطهاد الكنيسة لصالح المسلمين علي الرغم من أن محافظ قنا - مجدي أيوب - المحافظ الوحيد المسيحي في مصر. لقد جاءت الأحداث الأخيرة والتي سقط فيها 7 قتلي بينهم شرطي مسلم مزيجاً من السياسة والعصبية والطائفية والبلطجة، فالسياسة تطل برأسها خاصة مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل والعصبية علي خلفية قيام شاب مسيحي باغتصاب طفلة مسلمة من عائلة كبيرة ممتدة في قري ثلاثة مراكز هي أبو تشت وفرشوط ونجع حمادي والبلطجة لأن المتهمين الثلاثة في ارتكاب الحادث لا مهنة لهم سوي البلطجة، بل يدفع لهم المسيحيون أنفسهم إتاوات لحماية محالهم التجارية كما يفعل ذلك بعض المسلمين بنجع حمادي أيضاً اتقاءً لشرورهم، كما أن المتهم الأول حمام الكموني تتردد الحكايات بنجع حمادي عن أنه أقدم علي فعلته لا لسبب إلا لأن طبيباً مسيحياً تسبب في إجهاض زوجته. . ويراهن أبناء نجع حمادي علي إخماد الفتنة بعيداً عن مناورات السياسيين وتجار الانتخابات وجلسات الصلح الصورية التي تتم بضغوط أمنية، وذلك حتي لا تتفاقم الأزمة وتتحول لخصومات ثأرية ينفذ فيها من يشاء جريمته تحت ستار الدخان الكثيف للفتنة، ويدعو عقلاء المدينة المسيحيين للكف عن الاحتماء بأمريكا وتهديد المسلمين بها حتي لا تتصاعد الأمور لأكثر من ذلك، خاصة أن المسلمين في نجع حازم عبدهحمادي وقراها عائلات متماسكة معروفة بينما المسيحيون لا يسري عليهم هذا التقسيم وإنما منتشرون بين القري والنجوع.