كما سمحت الدولة منعت كانت قد فتحت باب الحظيرة للفضائيات وها هى تغلقه الآن ورغم أن تعليمات النظام وأوامره أن تعود البرامج فى الفضائيات إلى حالة الاستئذان قبل الكلام ووضع يدها فى جيبها وأن تقف وهى تكلم الحكومة إلا أن بعض (بعض هنا للتخفيف وللتلطيف وللمجاملة) الفضائيات وأصحابها ومقدميها لم تظهر منهم بادرة واحدة للمقاومة بل استسلموا فورا ورفعوا الراية البيضاء وبعضهم رفع الرايات الحمراء (ونحن نعرف من هم أو من هن صاحبات الرايات الحمر واللى ميعرفش يسأل) كأن الفضائيات ما صدقت فبدلا من أن تنحنى بركت على الأرض ، وبدلا من أن يخففوا خافوا ، وبدلا من أن يتمنعوا و يعصلجوا تطوعوا بالخدمة فأداروا الخد الأيسر بعد ضرب الأيمن وصدروا قفاهم بالمرة إمعانا فى الاخلاص! نفهم أن مالكى المحطات رجال أعمال وأعمالهم عند الحكومة التى تستطيع أن ترمى أتخن تخين أو أطول طويل فى السجن بعد ربع ساعة من الغضب عليهم ونعرف أن معظم مالكى المحطات شخصيات محترمة ووطنية ومستقيمة وحاولوا أن يمروا ويمرروا برامج داعية للإصلاح وساعية للتغيير لكن مصالحهم كلها تحت نعل أى ضابط والبلد لا ضابط فيها ولا رابط إلا الرضا السامى والرضا الأمنى فيسارع رجال الأعمال إذن إلى تقديم فروض الولاء والطاعة ونوافل النفاق والرياء! على الجانب نفسه فإن بعض مقدمى البرامج يفسر لا موقفه بأنه مجرد صحفى أو إعلامى مهنى حرفى وماليش دعوة بالسياسة ولهذا فهو يهبط ببرنامجه حتى يكاد يشبه مذيعى السيرك الذين يقفون أمام خيمة السيرك يصرخون على الجمهور العابر تعالى عندنا حيث الراقصة اللوبية ونجم الاكروبات العالمى والحاوى المعجزة والبنت اللى على صدرها تنور وعلى رجليها تنور! يكاد هذا النصب والهجص الذي يردده زملاء مهنة عن الحرفية والمهنية يصدقه البعض كأننا نعمل سباكين أو سمكرية (مع احترامى للسباكين والسمكرية طبعا) فالحقيقة أنه إذا كانت مهمة السباك أن يمنع الحنفية من أن ترخ وتنقط ويضبط السيفون الذى يسرب الماء وإذا كانت مهمة السمكرى هى سمكرة السيارة المضروبة أو المخبوطة فإن مهمة الصحفى هى البحث عن الحقيقة والدفاع عن الحرية ، يعنى أى مهنى من هؤلاء المهنيين اسم النبى حارسهم لو لم يبحثوا عن الحقيقة ولم يدافعوا عن الحرية يبقوا مش شايفين شغلهم ، يبقوا لا مؤاخذة خالص ، ولا أعرف هل عرفوا بما جرى فى أمريكا منذ أيام وقبل انتخابات الكونجرس حيث اشتعلت المعركة بين التيار المحافظ والتيار الليبرالى فما كان من جون ستيوارت وهو أشهر مذيع أمريكى ساخر إلا أن دعا فى برنامجه اليومى لتنظيم مظاهرة ومسيرة ضخمة فى مواجهة اليمين المتخلف الذى يريد إعادة أمريكا إلى الوراء ونجح بالفعل فى حشد عشرات الألوف يوم السبت الماضى فى حديقة ناشيونال مول وكانت الوقفة حسب وصف الصحف الأمريكية فرصة لقيادة المشهد السياسى تحت الشعار الذى أعلنه المذيع جون ستيوارت (دعوة لاستعادة العقل وضد الخوف) هذا مذيع أمريكى ومعه زميله ستيفن كولبير يرتديان علم أمريكا ويشاركان فى صناعة حدث كبير وضخم ضد الحزب الجمهورى والغريب أن المسيرة كلها كانت ردا على مسيرة أخرى كان قد دعا لها ونظمها مذيع آخر فى شبكة فوكس نيوز اليمينية المنحازة للحزب الجمهورى وهو جلين بيك تحت عنوان تجمع لاستعادة الشرف! هذه هى المهنة يا بتوع المهنة!