احتار ابو الدهب كثيرا وهو الذي لم يفهم سبب حيرته ربما حتي هذه اللحظة.. وابو الدهب هذا هو رجل لا يملك من الدنيا سوي دراجة متهالكة يحمل عليها اعداد الصحف التي يوزعها علي البيوت ويلقي بها في الشرفات كل صباح في الحي الذي اسكن فيه منذ سنوات طويلة. يأتي ابو الدهب كل صباح لمدة ثلاثين يوما ويأت مرة واحدة في المساء ليجمع (الشهرية ) والشهرية هي حاصل جمع ثمن الصحف مضافا اليه مبلغ متواضع جدا هو مكسب ابو الدهب. لايعرفني الرجل الا من خلال سلة تهبط اليه كل صباح ويضع فيها الصحف وعندما احاول ان اتحدث معه يوم جمع الشهرية لايرد واذا رد فكلامه غير مفهوم فهو تقريبا نصف ابله لايسمع جيدا ولا يدرك مااقوله له . المهم وجد ابو الدهب ان الناس تغيرت في الايام القليلة الماضية فصاحبة البيت الذي اسكن فيه تقول له بعلو صوتها :قلت ماتجبش جرنان الدستور تاني .. هو انت مابتسمعش ؟ ويباغته جاري الطبيب قائلا:ياابو الدهب ماتجبش الدستور ..وانا بالطبع لا انتظر حتي اراه اول الشهر ومن شرفه الدور الخامس الذي اسكن فيه ناديت علي صاحبة البيت الساكنة في الارضي قائلة : ياحاجة قوليله خلاص مايجبش الدستو ر. والي الان وابو الدهب لم يفهم الحكاية ولا يملك الا التجهم في مقابل هذه النداءات والصراخ :ماتجبش الدستور.. ماتجبش الدستور .. واخيرا كان يوم الجمعة الماضي هو اول يوم مايجبش فيه الدستور رغم اني طلبت الطلب منذ 5 ايام .. انتهت الدستور .. وانتهت الحالة التي صنعها ابراهيم عيسي وفريق الشباب الذي عمل معه بصرف النظر عن كل التفاصيل ..هي حالة وكان المطلوب القضاء عليها .. لاتنفصل التجربة عن شخص وموهبة صاحبها وماحدث لا ينفصل عن السياسة وهجمة رأس المال والترتيب لمرحلة يقول عنها اكثر الناس تفاؤلا :انها فترة سودا . سوف يتزايد الاستغناء عن الصحيفة التي كانت .. وسوف يعود المرتجع (المتلتل) عند باعة الصحف الي المخازن او الي الباعة الجائلين .. وربما يعود الصحفيون المحترفون للعمل مع الصحيفة المرتبكة التي نراها الان علي انقاض الدستور ..وسيتوازن العرض بعد فترة مع الطلب وتطلب ادارة الصحيفة ان يكون المطبوع الاف تقل عن اصابع اليد الواحدة مثلها مثل صحف اخري سقطت من الذاكرة بعد ان كانت في السماء . انتهت الدستور والمطلوب الان ان يجلس من يهمهم الامر حزاني وان يضعوا ايديهم علي خدودهم يتأسفون ويشكون غدر الزمن ورأس المال وهجمة النظام وايامه السوداء . وبعد فترة ننشغل بقصة اخري وحكاية اخري الي ان ينقطع النفس وتتوالي علينا الانكسارات وربما يبحث كل منا عن حل فردي لمشكلته الفردية مثلما يحدث لنا دائما اذا ضاقت الدنيا واصبحت مثل خرم الابرة . هذا كله وارد ولكن الوارد ايضا ان تأت العزائم علي قدر نا .. الوارد ايضا ان نستجيب للتحدي الهابط مثل القضاء المستعجل وتكون لنا ارادتنا وعزيمتنا ونبدأ لاول مرة تجربة ان نعمل عند انفسنا .. لا احزاب ولا رجال اعمال ..تجربة فيها تحدي وفيها خيال وفيها ابراهيم عيسي.