غالبية الرأسماليين الكبار في مصر من نوع "الكومبرادور" الذي يدين بالولاء لأولياء نعمته من القوى السياسية، في الخارج والداخل، التي رعت نشأته ومكنّت له من الأسواق المصرية، احتكارا وتعنتا، حتى أثرى فحشا وعاث فسادا وإفسادا. ومن ثم فمن الطبيعي أن ينتمي رأس المال الكبير في مصر، عضويا، إلى شلة تزاوج السلطة والثروة في نظام الحكم الذي يقوم على اقتران الحكم التسلطي بنظام رأسمالي مطلق اليد في البلد والناس. غير أن هذا القران القذر قد أنجب طفلا قبيح الطلعة شائه الملامح، يمكن أن نسميه رأس المال القواد، يتمثل مقولة شيطان النفعية الأكبر "نيقولا ميكيافيللي": "إن الرجال التواقين لنيل رضا أمير يتقدمون له، في كل الأحوال تقريباً، بالأغلى مما في حوزتهم، أو بالأشياء التي يعلمون أنها تسعده بوجه خاص ... والآن، أنا تواق لأن أتقدم لعظمتكم بشاهدٍ علي إخلاصي لكم ... أمور درستها بدأبٍ شديد، ومحصتها لزمن طويل، والآن بعد أن لخصتها في كتابٍ صغير، أرسلها لفخامتكم". ويتمثل أحد أدوار رأس المال القواد في القيام بالمهام القذرة التي قد يتعفف نظام الحكم التسلطي عن القيام بها مباشرة. وجلي أن أحد هذه المهام هو السيطرة على منصات التعبير المعارض التي لم يفلح النظام في ترويضها باعتبار أن المالك يمكن أن يغير سياستها التحريرية أو حتى التخلص من محرريها المتمردين الوطنيين إن اقتضى الأمر.
فقد أعلن نظام الحكم التسلطي هزيمته في مجال "الجرائد الرسمية" التي يمتلك من وراء ستار، هو فاضح أكثر مما هو ساتر، وفضح الناس تزويرها للواقع والعالم فعافوها حتى انهار توزيعها فأصبحت عديمة الجدوى تقريبا. وتفتق ذهن زبانية النظام عن الحل الشيطاني الذي يتمثل في إنشاء صحف يمولها كبار جال الأعمال ذوي المصلحة في استمرار الحكم التسلطي، تدعي الاستقلال وتنتقد المسؤولين في الحكومة، حتى رئيس الوزراء، اجتذابا للمصداقية، ولكنها تحمى النظام ورأسه من النقد، ولو كان بناءً. وللملاحظ الفطن أن يعد من هؤلاء الصحف ثلاثا هي في الواقع بدائل "الأهرام" و"الأخبار" و"الجمهورية" التي سقطت وكادت تزوي وتنهار، ولو كانت هناك حرية رأسمالية حقيقية لأغلقت أبوابها وتشرد رؤساء تحريرها الموالين للفساد والاستبداد. وإن حدث وأفلتت صحيفة من هذه الحلقة الجهنمية، فليكوّن بعض الرأسمالييين فرقة من القوادين "الهجامة" الذين يعملون على إعادتها لبيت الطاعة في حظيرة الحكم التسلطي- الرأسمالي الفاجر. وغني عن البيان أن هذه بالضبط هي حالة "الدستور" وإقصاء هيئة تحريرها المبدعة والمناضلة والتي لم يكن ليتيسر ترويضها بشكل آخر، ولو التهديد بالسجن والمطاردة. فقد تزعم شخص لم يحصل على شهادة جامعية لاستنفاذه مرات الرسوب في كلية بجامعة القاهرة، وكون ثروة هائلة من المتاجرة بالتعليم، ثنائيا من رأس المال الهجام لإخضاع "الدستور". وضم الفريق للأسف البالغ شخصا يرأس حزبا معارضا كان فخر الليبرالية، وحوهرها الحرية، المصرية في وقت مضى. وهكذا مع تدهور قيادة الوفد من الزعيم خالد االذكر سعد زغلول إلى رأسمالي تثور الشبهات حول كيف كون ثروته، ومن فخر الحركة الوطنية المصرية، والأقباط المصريين خطيب الوفد المفوه "مكرم عبيد" إلى "ساقط جامعة" عيّي البيان، تحول حزب الوفد "الجديد" المفترض أن يكون معارضا، من خلال رأس المال القواد، إلى شريك في آثام الحكم التسلطي. وليست هذه هي المرة الأولى، فقد كشف "ابراهيم عيسى" مؤخرا أن رأسماليا فاسدا آخر من عمد النظام التسلطي في مصر قد حاول في صفقة واحدة، منذ سنوات قليلة، شراء صحيفتا المعارضة الأكثر ذيوعا وقتها، الدستور وصوت الأمة، معلنا عزمه على الإبقاء على رئيسي تحريرها المشاغبين، مع مجرد تغيير سياستهما التحريرية لتتمشى مع تلك التي أرستها صحيفة خاصة تدّعي الاستقلال ولكنها تعمل تحت سقف النظام التسلطي. وكان الهدف من الشراء تقديم الصحيفتين المذبوحتين قربانا للمتسلط الأكبر. فليعلم المصريون جميعا أن رأس المال الفاجر أو القواد يمكن أن يكون أعتى من الساسة في شلة الحكم التسلطي في إهدار الحريات الأساسية لعامةالمصريين، بدءا بحرية التعبير، وانتهاء بحرية التنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات المدنية) طمعا في الإبقاء على هيمنة تزاوج السلطة والثروة في مصر. والحل المقاوم، البسيط والناجع، لهذا المأزق هو مااقترحة شيخ المناضلين الوطنيين السفير "ابراهيم يسري" من تكوين شركة مساهمة من الوطنيين المصريين، من النخبة ومن عامة الناس، لإصدار صحف الشعب المصري المستقلة حقا عن سيطرة تزاوج الحكم التسلطي من الرأسمالية المنفلتة.