خليط من الخوف و"النفسنة" يسيطر على بعض الزملاء والكتاب في بعض الصحف، وهي المصري اليوم دون ذكر للأسماء. ولولا إشراقة بلال فضل وجلال عامر، لأظلمت هذه الصحيفة التي نشرت تقريرا إعلانيا عن المارد الذي خرج من "قمقم الصحافة" رضا إدوارد! تقديرا مني للعاطفة الإنسانية، والضعف البشري، سأبدي تفهما شديدا لمشاعر الخوف والنفسنة. الخوف في هذه الحالة طبيعي جدا، فالمثل يقول: إضرب المربوط يخاف السايب. لكن هذه المرة كانت الخطة أكثر شرا وقسوة، فاعتمدت على ضرب السائب، فما كان من المربوط إلا أن تجمدت أطرافه، فما عاد يستطيع تحريك عقلة إصبع، وتحجرت جفونه فما بات يقوى حتى على النوم، متجاهلا ارتياعه من ذبح كبير السائبين أمام عينيه. أسقط في يد المربوط، وهداه فزعه لانتهاج أسلوب ظنه يقصي نصل السيف، الذي ذبح به السائب، عن رقبته. اعتمد أسلوبه على الثناء على السفاح، وسرد قصة كفاحه ونضاله، حيث تدرج من صاحب سلسلة مدارس البي بي سي (وبالمناسبة، من حق إذاعة البي بي سي أن تقاضي رضا إدوارد على استغلاله لاسمها)، ثم التحق بحزب الوفد، لأسباب لم يذكرها التقرير الإعلاني، وتوطدت علاقته بالسيد البدوي حين كان سكرتيرا للحزب، لأسباب أيضا لم يذكرها وكيفية لم يشرحها التقرير الإعلاني، اللهم إلا ذكر التقرير ل"الدعم القوي" الذي منحه إدوارد للبدوي في معركته الانتخابية، ولا أعلم كنه هذا الدعم، هل طبع ستيكرات عليها اسمه وصورته؟ هل مضى يهتف: يعيش السيد البدوي.. انتخبوا المرشح الرصين.. كلنا مع الرصين مع الرصين؟ هل مول حملته؟ هل ضمن نزاهة الانتخابات عاملا بنصيحة الدكتور السيد البدوي الذي أشار في حديثه للشرق الأوسط بضرورة اصطحاب البلطجية في انتخابات مجلس الشعب لضمان نظافة الصندوق الانتخابي؟ الله أعلى وأعلم، لكن التقرير يقول أنه دعمه وخلاص، ومش عايزين نفسر بقى. كما وصف التقرير رضا إدوارد ب"الصقر" الذي يقول الحقائق، وهو صريح وجرئ إلى حد التهور! ولم يبق إلا أن يؤكد لنا التقرير أن رضا إدوارد يناضل بصلابة في مواجهة طغيان الدستورجية الغاشم، ولا يخشى بطشهم وتنكيلهم، فأفضل الجهاد كلمة "أمر محتم فيه" في وجه رئيس تحرير مفصول من عمله، وشباب معتصمين لا يمتلكون مالا، ولا قرارا، ولا سلطة، يبيتون في الشارع، بينما هو يحتضن ماله وسلطته وينام ملء جفنيه على فراشه الوثير. لماذا؟ لم كل هذا الرعب الذي تنضح به السياسة التحريرية لصحيفة تنبأ لها عبد الله كمال بأن ما جرى على الدستور سيجري عليها في عام 2012؟ وجميعنا يعلم أن عبد الله كمال مكشوف عنه الحجاب، ومحدَّث، وزرقاء يمامة وحمامة وكتاكيت وعصافير زينة الصحافة المصرية، وكلمته لا ممكن تنزل الأرض أبدا، ولم يمر سوى سواد الليل على نبوءته بفصل إبراهيم عيسى من منصبه، ثم سبحان الله، استيقظنا لنجد النبوءة تتحقق أمام أعيننا، بل إنه تنبأ بأن البدوي يريد للدستور أن تكون مؤسسة بينما هي شيء غير المؤسسة، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، فوجئنا بالسيد البدوي يقول نفس الجملة: كنت أظن أنني اشتريت مؤسسة ثم اتضح لي أنها شيء غير المؤسسة. فإذا كان الوحي قد نزل على عبد الله كمال يخبره بإغلاق المصري اليوم في العام 2012، إذن فكله محصل بعضه، ومن لم يغلق برأس المال أغلق بغيره، فلا نامت أعين المردة القابعة في القماقم ترتجف خوفا من مصير أكد العراف أنه محتوم، أو أمر محتم فيه على قول إدوارد. أعلم أن الخوف يشل التفكير، خاصة تفكير المربوط - لا.. أرجوك ما تفهمنيش صح - لكن هناك فسحة من الوقت لإعادة التفكير والحسابات، ومراجعة النفس، بداية من هذه اللحظة وحتى عام 2012. أجيب من الآخر؟ من سفه التفكير بمكان، أن تتزلف وتتذلل وأنت تعلم أنك ميت لا محالة. بقول آخر، خليك دؤروم واكسب بنط مدام ميت ميت، بدلا من تسجيل هذه المواقف المشينة في دفتر تاريخك، على الأقل حتى تجد من يتعاطف معك، أو يعتصم من أجلك حين تدور عليك الدوائر. إن لم تكن صاحب مبادئ، فكن صاحب إحساس، إن لم ينعم الله عليك بالإحساس، فانظر لأبعد من أرنبة أنفك. أعترف أنني أرسلت أعدادا مهولة من البشر إلى طوكر بنصائحي الجهنمية، إلا أنني أود أن أذكر بنصيحة واحدة تثبت صحتها كل يوم: إن لم يكن عندك من الحنكة ما يسعفك لاتخاذ القرار السليم، فالتزم بالأخلاقيات، لأن كليهما يؤدي لنفس النتائج. قسما بالله، الأخلاق لا تأتي إلا بكل خير على المدى البعيد.. والأيام بيننا. أما عن النفسنة، فحدث ولا حرج. أعود مرة أخرى لقصص الأطفال التي كانت ترويها لي أمي وأنا طفلة صغيرة، كانت تحكي لي قصة عن "ست الحسن والجمال"، وكانت ابنة زوجة والد ست الحسن دميمة واسمها "خنفسة". كانت ست الحسن حين تتحدث يخرج من فمها الذهب، وكانت حين تأكل ويقع الطعام على فخذها، تنثره فيتطاير ماسا وزمردا، أما خنفسة، فكانت تتحدث فيخرج من فهمها العقارب، وكانت حين تأكل ويقع الطعام على فخذها تنثره، أسوة بست الحسن، فإذا به يتطاير ثعابين وسحالي. هناك كتّاب في الصحافة المصرية ينطبق عليهم ما قاله صلاح جاهين: أشتري فستان يطلع منظر، أشتري فاكهة تطلع سكر. هم معدودون، وهم كتابي المفضلون، لن أذكر منهم سوى إبراهيم عيسى - موضوع البحث - حتى لا أنسى أحدا. هو رزق من عند الله: تكتب ست الحسن مقالا واحدا وتنام ملء جفونها عن شواردها، ويسهر الخلق جراها ويختصم، بينما تكتب خنفسة في كل الصحف، قومية ومعارضة ومستقلة، ولا يبقى إلا أن تزاحم محمود عبد الرازق عفيفي - أديب الشباب - جدران الشوارع، لكن أحدا لا يعلق على كتابات خنفسة، لا بالخير ولا بالشر. من حق خنفسة أن تحقد على ست الحسن. فلان وعلان، يبذلون الغالي والنفيس من كرامتهم، وأخلاقياتهم، وسلامهم النفسي، يوطدون علاقاتهم بمن لا يستحق إلا أن يبصق في وجهه، يقدمون خدمات يندى لها جبين العوالم، كل ذلك في سبيل الانتشار الواسع في كل صحيفة، وكل قناة فضائية، وفي سبيل تمويل مشاريعهم الإعلامية، من أي جهة، ومن كل الجهات المتضادة، ثم تخرج على الناس صحيفة الدستور بمواردها المالية الضعيفة، ويخرج عليهم إبراهيم عيسى بمقال أو برنامج واحد، فإذا بعيسى وصحيفته يسرقان الأضواء. رزق من عند الله، موهبة، قبول، الله أعلم، المهم أنه إشعاع جاذب لكل متفق ومعترض. حتى لو عطس إبراهيم عيسى، ستجد على بريدك الإلكتروني: عااااجل، إبراهيم عيسى يعطس، وسيدخل المعلقون على مدونتي: نوارة، إبراهيم عيسى موتني من الضحك لما عطس النهاردة.. خدي اللنك، وسيكتب السلفيون على منتدياتهم: الرافضي الملحد خادم النصارى إبراهيم عيسى يعطس في الصحابة وأمهات المؤمنين، ويتحدث الكل، ويتناقش الكل، المحب والكاره، وإن لم يكن لك كارهون، فاعلم أن الله لم ينعم عليك بمحبين. الخبر ينزل في كل الصحف، والناس لا تراه إلا في الدستور. طب نعمل لك إيه يا خنفسة؟ محبة الناس والتأثير فيهم رزق. حقيقة إنه رزق مرتبط بالصدق، لكن الصدق خيار مطروح أمامك يا خنفسة... بسم الله. لم يقل أي من صحفيي الدستور، بداية من أصغر محرر - يعتصم الآن في نقابة الصحفيين - وانتهاء برئيس التحرير المقال، أنه يقوم بدور جيفارا، ولا الإمام الحسين، ولا رامبو، ولا ميكي ماوس. هم صحفيون وفقط. ربما الأنجح، لكنهم ليسوا الأغنى، ولا الأغلى سعرا. لا أخفيكم سرا، فقد توقعت شماتة من خنفسة، لكنني لم أتوقع أبدا أن الخنافس تحسد الدستورجية على مصابهم، وتقول عنهم أنهم يحدثون ضجيج بلا طحن ليسرقوا الأضواء وليصوروا للرأي العام أنهم مناضلون، ويظلمون مهنة الصحافة بسلوكياتهم التي هي أقرب لسلوكيات النشطاء السياسيين منها للصحفيين! يا لهو بالي ياما؟ حتى في الكوارث محسودون؟ ألهذه الدرجة لم يعد لصوت الكرامة صدى في النفوس؟ لماذا يقف البعض مبهوتا أمام إصرار محرري الدستور على إعلاء كرامتهم المهنية، ورفضهم الانحناء أمام الرواتب الفلكية، وبعد أن يستفيقوا من ذهولهم، يجهدون أنفسهم في البحث عن أسباب أخرى غير معلنة للاعتصام؟ يبدو أن هناك غموض يلف الحدث، ووجدت في نفسي الرغبة في توضيحه. كل ما حدث مع الدستورجية أمر مهين، يدمي القلب، ويجرح النفس الأبية، ويكلم العين ويذرف منها الدمع، بداية من الاتصال برئيس التحرير، وهو منهمك في إخراج العدد، لإبلاغه شفهيا أنه مقال، وأن الملاك قد أبلغوا المجلس الأعلى للصحافة، شفهيا، بأن إبراهيم عيسى لم يعد رئيسا للتحرير، وأن بإمكانه أن يرتاح الآن، وسيرسلون إليه الحسنة الشهرية دون انتقاص جنيها منها، مرورا بالهجوم على مقر الصحيفة، بصحبة بلطجية الانتخابات، للاستيلاء على الأجهزة، وكأن الفريق المعتصم في المقر هم مجموعة من اللصوص لا يؤتمنون على أجهزة صحيفتهم، وفصل سكرتارية التحرير، وانتهاء بالتصريحات المخزية، التي أطلقها السيد البدوي، مؤكدا مرة أخرى، أنه أقال رئيس تحريرنا، بكل أدب، شفهيا، وكأنه عامل يومية، مع كامل احترامنا لعامل اليومية الذي يمتهن عملا شريفا، إلا أن حتى عامل اليومية لا يتم فصله وهو في موقع العمل، وإنما يقول له المعلم: ما تجيش بكره. ويصر البدوي على تكرار الإهانة، مؤكدا أنه عرض على رئيس التحرير أن يعطيه راتبه دون عمل، وكأن إبراهيم عيسى ينتظر منه زكاة ماله، ثم يبرر فعلته الشنعاء بأن الصحفيين قد هددوا بالإضراب لأنهم لا يرغبون في دفع الضرائب، ونسي أنه أخبرنا بأن الصحفيين المضربين، كانوا يحررون عدد الجريدة مع رئيس تحريرهم حين تم إبلاغه بخبر فصله، ولا ينكر البدوي أن إدوارد رفض نشر مقال البرادعي، وأن البدوي طلب من إبراهيم عيسى إرسال المقال له، متى أرسل إبراهيم عيسى مادته التحريرية لأحد حتى يسمح البدوي لنفسه بهذا المطلب؟ ومن يظن إدوارد نفسه حتى يقرع عيسى على نشر مقال العوا؟ وماذا يظن بنا كل من إدوارد والبدوي حتى سول لهما عقليهما أن محررا أو كاتبا يمكنه التعامل معهما بعد أن تصرفوا بهذه الدناءة مع رئيس تحرير الصحيفة التي نعمل بها؟ وكيف يتجرأ البدوي وإدوارد على ادعاء أن محرري الدستور المعتصمين لا يرغبون في الحل؟ كيف يمكن لشخص لديه عقل في رأسه أن يأمن للتعامل معهما بعد أن كالوا لهم الإهانة تلو الإهانة؟ وماذا يظن الناس بنا حين يحدثونا عن الرواتب وعن أكل العيش؟ هل نعمل في مهنة شريفة أم نمتهن الدعارة حتى يطلب منا البعض أن نبتلع كرامتنا من أجل مقابل مادي مبهر؟ وهل حين يثور الإنسان لكرامته يكون رامبو وميكي ماوس وجيفارا؟ أليس الفرق بين الكلب والإنسان، أنك حين تلقم الكلب حجرا يندفع هاربا، بينما إذا تعرض الإنسان لنفس الموقف رد إليك ضربتك؟ طيب، الناس في الدستور ليسوا كلابا، ولا تغريهم قطعة لحم أكبر، ولا يمكن أن يقضي آل الدستور كل هذه السنوات في نصح الناس، ثم إذا ما وضعوا في المحك نكصوا وتدنوا، لو كان الأمر كلام ابن عم حديت، لكان من الأفضل أن يتركوا الدستور من اليوم الأول، فرواتبها لم تكن أبدا مجزية. أول كلمة قالها الشاعر بديع خيري للشاعر الشاب - آنذاك - أحمد فؤاد نجم: تقدر ع الجوع يالا؟ فأجابه الشاعر: ده صاحبي. فابتسم بديع خيري: حتبقى شاعر عظيم. الكرامة خصلة إنسانية، والناس في الدستور مجروحة، وغاضبة، ولا يغرنكم الابتسامة والتسرية عن النفس بالغناء، فليس بيننا سعيد ولا مبتهج بالإهانة التي لحقت بنا، فقط نضحك من البلوى.