لم تكن هذه هي زيارتي الأولي للعاصمة الأردنية عمان.. لكنها كانت المرة الأولي التي يشتكي فيها سائقي الأردني (غسان) بتلك الحرارة من ارتفاع الأسعار بشكل جنوني فاق قدرات الشريحة الأكبر من الأردنيين مثلما قال لي.. انتهز سائقي طول المسافة بين مطار عمان إلي وسط العاصمة محل إقامتي واستطرد في شرح تفاصيل شكواه.. ومع استغراقي في سماعه ظننت أنني لم أغادر القاهرة وأنني أستمع إلي شكوي أحد سائقي التاكسي بها. ورغم ارتفاع متوسط دخل الأردني (نحو أربعمائة دينار.. والدينار يساوي سبعة جنيهات مصرية) مقارنة بنظيره المصري لكن الشكوي ظلت مشتركة بين الاثنين من ارتفاع الأسعار، خاصة بعد موجة الارتفاعات العالية التي طالت الخضراوات والفواكه مؤخرًا.. وزادت شكوي (غسان) الأردني من ارتفاع سعر البنزين والذي يرتفع سعره رغم انخفاض أسعاره عالميا.. حيث تبيع الحكومة الأردنية لتر البنزين بما يوازي أربعة جنيهات مصرية.. مع ملاحظة أن الأردن دولة مستوردة للبترول. تركت (غسان) لأشعر بعدها بأن هم المواطن العربي واحد وإن تعددت الأوطان.. وعندما التقيت بعض رجال الأعمال والتجار الأردنيين حكوا لي بسعادة عن تطور كبير تشهده الأردن حاليًا.. وحركة اقتصادية بلغت ذروتها مع نزوح عدد كبير - قارب المليون - من التجار العراقيين إلي المملكة ومعهم ثرواتهم.. مما دفع الحكومة الأردنية إلي منح كل عراقي جواز سفر أردنيًا مقابل إقامة مشروع برأسمال قيمته مليون دولار وتشغيل أربعة أردنيين للتخفيف من حدة البطالة.. لكن النزوح العراقي بتلك الأموال الضخمة أدي إلي ارتفاع كبير في أسعار الشقق السكنية والأراضي بالأردن فتضاعف سعرها عدة مرات مثلما جري في مصر مع نزوح العراقيين. لا تتمتع الأردن بموارد دخل ثابتة كالبترول أو السياحة أو الصادرات السلعية وموردها الرئيسي هو فرض مزيد من الضرائب ولديها مبرراتها.. بينما حكومتنا ورغم ضخامة مواردنا السيادية من بترول وسياحة وتحويلات المصريين بالخارج ودخل قناة السويس لا تزال تتفنن في فرض مزيد من الضرائب.. ويسخر الأردنيون من الضرائب المتعددة ويقولون: إن الحكومات الأردنية بارعة في كيفية اختراع مزيد من الضرائب منها مثلاً فرض ضريبة مغادرة علي كل مسافر خارج الأردن.. أخشي أن يصل الخبر إلي وزير ماليتنا بطرس غالي فيقررها غدًا. تنقسم العاصمة الأردنية إلي عمان الغربية التي تتميز بالرقي والعمارات الفخمة والمحال التجارية الكبري مقارنة بعمان الشرقية الفقيرة والمزدحمة.. لكن اللافت للنظر في مدينة عمان هو حالة النظافة العامة ليست في الشوارع الرئيسية بها فقط بل الفرعية أيضًا حتي الحواري منها.. والسبب هو وجود نظام صارم للنظافة، حيث تجوب سيارات النظافة (البلدية) شوارع المدينة ثلاث مرات يوميًا. ورغم ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب الأردني فإن ظاهرة استقدام عمالة من آسيا خاصة الفيلبين والصين وبنجلاديش أصبحت كبيرة بسبب رخص أجورهم (أقل من مائتي دولار شهريا) مقارنة بالأردني الذي لا يقبل راتبًا يقل عن ستمائة دينار ويفضل بديلا عنها الجلوس في المنزل إذا لم يجد ما يريده. لا يمكن أن تكون في الأردن دون السؤال عن العمالة المصرية وأحوالها والتي يقدر عددها بأربعمائة ألف مصري يعملون في مجال البناء والحرف اليدوية.. وهناك حي بأكمله اسمه (المصريين) يكثر فيه إقامة المصريين وبه بيت للضيافة يقيم فيه القادم من القاهرة حتي يجد عملاً.. وعندما يجده يسدد مبلغًا ضئيلاً كل شهر لهذا البيت حتي يمكنه استضافة غيره من القادمين من مصر.. ويبلغ متوسط الحد الأدني لأجر العامل المصري ثلاثمائة دينار ويرتفع في حال مهارته إلي سبعمائة دينار.. لكن تغيب عن تلك العمالة المصرية الشابة (متوسط أعمارهم بين 25 و40 سنة) الرعاية الصحية. عندما تغادر عبر مطار الملكة علياء سوف تفاجئك حركة إنشاءات ضخمة حول المطار، حيث تنشئ الحكومة الأردنية مطارًا عصريًا جديدًا ليكون امتدادًا للمطار الحالي وبرءوس أموال خليجية بنظام حق انتفاع لمدة عشرين عامًا للمستثمر ثم تعود الملكية للحكومة الأردنية بعد انتهاء المدة. في الطائرة وعند عودتي كان معظم الركاب من الشباب الأردني وجاء جلوسي بجوار أحدهم وعرفت أنهم طلاب في الجامعات الخاصة بمحافظة أكتوبر والمعترف بها في الأردن.. وأن غالبية طلاب الأردن يفضلون الآن الدراسة بالجامعات المصرية.. سعدت بما قاله لي الطالب الأردني.. لأنه يعني تنامي مساحة القوة الناعمة المصرية.. فهل تنتبه حكومتنا لتلك القوة الجديدة المضافة إليها والتي جاءتها دون تعب فتزيد منها أم أن حكومتنا غير ملتفتة لذلك أصلاً؟! تعددت أوطان العرب وظلت شكوي المواطن واحدة.