لائحة أي مهرجان تُعد بمثابة الدستور الذي لا ينبغي الخروج عنه وإلا فقد المهرجان شرعيته، كما يفقد نظام الحكم مبرر بقائه، لكن يبدو أن وضعية مهرجان الإسكندرية السينمائي، كمهرجان يحمل لافتة «الدولية» غصباً، بينما يُدرك القائمون عليه أنه لا يتمتع بأي شرعية دولية، وكل ما يربطه ب«الدولية» أنه يجمع تحت مظلته مجموعة من «دول» حوض البحر المتوسط، حيث إنه لا يخضع لرقابة الاتحاد الدولي للمنتجين، الذي تعمل تحت مظلته المهرجانات السينمائية الدولية المعترف بها، شجع منظميه علي اختراق كل الأعراف السينمائية، بل واللائحة التي وضعها المهرجان بنفسه، وقلنا إنها دستوره؛ فالبند السادس من لائحة مهرجان الإسكندرية السينمائي ينص علي أن لجنة التحكيم الدولية للمسابقة الرسمية تتكون من (سبعة) أعضاء بمن فيهم الرئيس، كما أعطت لمصر الحق في أن يكون من بين أعضائها عضوان من مصر، لكن المتابع للدورة السادسة والعشرين للمهرجان، التي اختتمت أعمالها في التاسع عشر من هذا الشهر، يكتشف من دون عناء أن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، التي ترأستها المخرجة التونسية مفيدة التلاتلي، تكونت من (ستة) أعضاء فقط، في مخالفة صريحة للائحة تفقد اللجنة، ومن ثم جوائزها، شرعيتها، وبالبحث عن السبب فيما جري، وربما لم يلفت نظر أحد، تبين أن اليوناني جورج باباليوس رئيس المركز السينمائي اليوناني، الذي اختير عضوا في اللجنة، اعتذر في اللحظة الأخيرة عن عدم الحضور، ومن ثم عدم المشاركة في أعمال لجنة التحكيم، وعلي الفور تحرك الناقد شريف عوض رئيس الأمانة الفنية للمهرجان لإنقاذ الموقف، ونجح بالفعل في الاتصال بالكاتب والمخرج التركي أحمد بوياسي أوجلو رئيس جمعية السينما في أنقرة، وعضو اللجنة التنفيذية لمهرجان أنقرة السينمائي الدولي، للمشاركة في عضوية اللجنة، بديلاً عن العضو اليوناني، لكنه فوجيء برئيس المهرجان يطالبه بصرف النظر عن إحضار العضو السابع للجنة، بحجة ضغط النفقات(!)، وواصل باستهانة : «إذا لزم الأمر يصبح لرئيس اللجنة الحق في صوتين» (!) وبالفعل بدأت لجنة التحكيم أعمالها وانتهت منها وهي «ناقصة»، وحتي عندما فكر «شريف»، الذي تحمل هو ومساعدته «نهي» أعباءً جسيمة بحق، في تقديم واجب الضيافة فوجيء بمن يحاول إثناءه عن هذا بنفس الحجة «ضغط النفقات» فما كان منه سوي أن رتب بطريقته زيارة لمكتبة الإسكندرية، كما تكفل بنفقات مأدبة الغذاء التي أقيمت خارج الفندق المخصص كمقر للمهرجان لأربعة من الضيوف الأجانب. غير أن المثير للدهشة أن الإدارة التي تذرعت بالحفاظ علي المال من الإهدار هي نفسها التي بددت ما يقرب من تسعة آلاف جنيه في شراء حقائب جلدية لتوزيعها علي ضيوف المهرجان، وبدأت الدورة وانتهت من دون توزيع حقيبة واحدة علي أحد، بما في ذلك الضيوف الأجانب ورئيس وأعضاء لجنة التحكيم الدولية الذين غادروا مقر المهرجان بلا حقائب في سابقة هي الأولي من نوعها ليس في تاريخ مهرجان الإسكندرية السينمائي فحسب وإنما في تاريخ مهرجانات العالم، والأطرف ما قيل بأن رئيس المهرجان ادخرها لتوزيعها علي رؤساء تحرير الصحف المصرية كوسيلة للترويج والدعاية للمهرجان! وقائع لا يمكن أن تحدث في أي مهرجان سوي مهرجان الإسكندرية السينمائي، الذي لا يخضع لرقيب أو حسيب، ولا يخشي لومة لائم، مثلما لا يلقي بالاً لمن يُسدي له النصح أو يوجهه إلي الطريق الصواب، فاللائحة لديه صورية، وفي الغالب لا تمثل أهمية، واللحظة الوحيدة التي تحظي فيها اللائحة بالالتفات والاهتمام هي تلك التي يتم فيها تغيير تاريخ كل دورة، وفيما عدا هذا فالأمور تسير حسب الأهواء الشخصية، والإنفاق علي الحفلات الغنائية الساهرة أهم بكثير من توفير نفقات تذكرة عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية أو دعوة شخصية أجنبية مرموقة لتنزل ضيفة علي المهرجان، وفي السياق نفسه لا مانع من أن يتحول حفل الختام إلي «فرح بلدي» تضيع فيه بهجة وفرحة الفائزين بجوائز المسابقة الدولية في غمرة الاهتمام المبالغ فيه بنجوم ما يُطلق عليه استفتاء السينما المصرية، الذي بلغ قمة الكوميديا هذا العام عندما لم يكتف بتكريم محمد هنيدي وإنما أطلق عليه لقب «نجم الجيل»! «بضاعة أتلفها الهوي» عبارة شهيرة قالها الممثل القدير يحيي شاهين في فيلم «بين القصرين» تذكرتها وأنا أرصد ما جري في الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائي؛ إذ انتابني شعور جارف بأنه «مهرجان أتلفه الهوي»!