عندما سمع رهبان الدير أن أحد الخلفاء الفاطميين وجنوده في الطريق إلي المكان خافوا أن يهدم الدير، وقضوا ليلة بائسة يفكرون في الموضوع، لم يكن افتراض حسن النيات كافياً في مثل هذا الموقف، وفجأة صاح أحدهم ليلا: «لن يستطيع أحد أن يهدم هذا الدير إذا بنينا داخله مسجداً». الإمكانات ضئيلة والوقت ضيق، ظهرت فكرة جديدة أن يتم تحويل مطبخ الدير إلي مسجد وأن يتم تحويل مدخنة المطبخ إلي مئذنة.. وهو ما حدث بالفعل. بعد انتهاء التجهيزات ظهرت مشكلة جديدة.. الرهبان لا يعرفون اتجاه القبلة، كان الحل أن يزود المسجد بقبلتين في اتجاهين مختلفين، لعل الخليفة يغفر لهم أنهم اجتهدوا فأخطأوا في واحدة. جاء الخليفة وصلي خارج المسجد أصلا. حمي المسجد المطبخ أقدم دير في المنطقة من أن يتعرض للضرر في أي وقت علي يد المتعصبين، أمد الخليفة الدير بالحماية والدعم، ولم يفتش علي صحة القبلة بالرغم من أن كلا القبلتين كانتا في اتجاه خاطئ. لن تستطيع أن تفهم ما الذي يحدث في كيمياء جسمك وأنت تقف في مكان تطل من كل زواياه نفحة نور، تقف في منتصف الدير.. علي مرمي البصر قمة جبل موسي هنا أصبح سيدنا موسي كليم الله.. بالقرب منك الشجرة المباركة التي قال سيدنا موسي لقومه إنه آنس نارا عندها.. الشجرة تتدلي فروعها بكثافة وأخضر أوراقها يكاد ينطق..محاطة بكردون يمنع أي أحد من الاقتراب منها أو لمسها.. قلت لأحد الرهبان: أريد أن أقطف ورقة منها لأحتفظ بها، فقال لي: «صدقني.. ممنوع، كان الناس قديماً يقطفون منها أوراقاً وأجزاء من الساق لإعادة زراعتها لكن كل المحاولات باءت بالفشل فهي لا تنمو إلا داخل الدير».. إلي الخلف قليلا البئر التي وقف عليها سيدنا موسي ليملأ لابنتي سيدنا شعيب جرارهما بالماء قبل أن تصبح إحداهما زوجة له... لأرباب الديانة اليهودية نصيب في المكان. تنظر لأعلي فتري غرف الدير الذي استيقظ أحد رهبانه اليونانيين في ليلة فرحاً بعد أن دلته القديسة كاترين علي مكان رفاتها التي احتاروا في البحث عنها فجمعها ووضعها في تابوت، مازالت رائحة الطيب تنسال منه حتي اليوم، القديسة كاترين آمنت بالمسيحية في عز اضطهاد الإمبراطور مكسيمينوس للمسيحية وحرض عليها أكثر من 50 شخصاً ليخطبوها فيستريح من صداعها لكن الخمسين خطيباً اعتنقوا المسيحية ، لأرباب الديانة المسيحية نصيب في المكان. أما الوادي الذي يحتضن هذه النفحات فقد كرمه الله بأن ذكره في القرآن، وجاء ذكره مصحوباً بمنحه قداسة أجبرت كليم الله علي خلع نعليه احتراماً لها.. للمسلمين أيضا نصيب في المكان. عند خروجي من المكان اقترب مني أحد الأشخاص العاملين في الدير ووضع في يدي ورقة شجر شبه محنطة في غلاف بلاستيكي محكم، قال لي: ورقة الشجرة التي كنت ستقطفها كانت ستذبل سريعاً بين دفتي واحد من كتبك، لكن هذه الورقة المقدسة ستعيش معك إلي الأبد هدية من الدير.. تلفُت فرأيت الراهب يقف بعيداً وعلي وجهه ابتسامة. في الليل كنا فوق جبل الأكولوج حيث اللاءات الثلاث (لا كهرباء. لا شبكة محمول. لا أحد )، من السذاجة أن أصف لك مشهد الجبال والسماء الصافية والنجوم والقمر والصمت الموحي، أنا شخصياً لم أصدق ما أعيشه، كانت الأجواء تدعوك لما بعد التأمل، التعبد ربما، قررت أن أصلي في هذا المكان، توضأت ثم تذكرت رهبان الدير... كيف تكون القبلة في حضن الليل وهذه الجبال؟ لاحظ البدوي المرافق لنا حيرتي، فعلمني شيئاً مفيدا « في أي مكان في العالم.. شوف الناحية اللي الشمس بتطلع منها فين واستقبلها بنص وشك اليمين ..وصلّي».