الحاجة فتحية أرملة وكيل وزارة سابق، استطاع بمدخرات عمره كلها، أن يشتري شقة في شارع شهاب بالمهندسين، منذ ما يزيد علي ثلاثين عامًا، وكان ثمنها أيامها أربعة آلاف وخمسمائة جنيه، ثم توفي بعد شرائها بعشرين عامًا، بعد أن تحوَّل شارع شهاب، الذي كان نصفه مجرد مزارع، إلي أحد الشوارع الرئيسية بالمهندسين، وأصبحت الشقة تساوي فيه، بالأسعار السوقية، خمسة ملايين جنيه، ولكن الحاجة فتحية، التي تقيم فيها، لا تملك من الدنيا سوي معاش زوجها الراحل، الذي لا يتجاوز ثمانمائة جنيه، تنفق أكثر من نصفها علي علاجها، وأعصابها منهارة؛ لأنه وفقاً للقانون، عليها أن تدفع ما يفوق دخلها كله أو ما تبقي منه للضريبة العقارية، وهي تتساءل: أليس من الظلم أن تهان علي هذا النحو، في عمرها هذا؛ لأنها تقيم في دولة طغيانية، تنفق الملايين علي موكب رئيسها، وكأنه رئيس جيش محتل، اغتصب الحكم بالقوة، ثم تنتزع منها قوت يومها وعلاجها، علي هذا النحو؟!... ثم تسأل، وأنا أسأل معها: ما مصيرها، لو لم تستطع دفع الضريبة العقارية؟!.. هل ستستولي الدولة علي المنزل الذي يأويها وتطردها منه، أم ستدخل السجن، أم - وهذا هو الأرجح - سيأتي أحد الطغاة، ليشتري شقتها بسعر بخس، ويمنحها شقة صغيرة في الدويقة، أو في مساكن الزلزال؟!... والحاجة فتحية، تطرح ببساطتها وعفويتها، سؤالاً خطيراً جداً: هل الغرض الفعلي من القانون، هو أن يستولي الطغاة وعصابتهم علي الثروة العقارية في مصر؟!... وسؤالي أنا هو: إن لم يثر الشعب علي الطغيان، الذي سيجرده من أهم ما يحمي الإنسان في الدنيا، وهو السكن، فمتي، وبم يمكن أن يثور علي طغاته، ويتحدي أمنهم الشرس، الذي يتصوَّر أن القوة يمكن أن تحميه من ثورة شعب فقد كل أمل في الحياة؟!.. مشكلة الحاجة فتحية ليست فريدة أو وحيدة، بل هي مشكلة الملايين علي أرض مصر، و... للمأساة بقية.