الواقع من حولنا، علي الرغم مما نكتبه، يؤكد أنه ليست لدينا حرية... وربما اعتاد الناس هذا، وتعايشوا معه، وسمحوا لكل من هب ودب بالسيطرة عليهم، والتحكم في مصائرهم ومستقبلهم، ولكن هذا لا يعني أن كل شيء يسير علي ما يرام، فلو سألنا أنفسنا ماذا لو أن لدينا حقاً حرية، لاختلفت الصورة في أعيننا تماماً. ولكن دعونا نتخيَّل، ولو من باب الحلم، أن لدينا حقاً حرية، ولنر كيف ستكون صورة مصر في ظلها. في البداية، لابد أن نرسم صورة حرية تداول السلطة، فلو أن رئيس الدولة لا يحق له أن يتولي منصبه مدي الحياة، ويتمتم عليه بنص دستوري قوي، أن يترك السلطة بعد فترة محدودة، أياً كانت، فستبدأ من هنا صورة الحرية الحقيقية، التي يحلم بها أي شعب. فلو أن الرئيس محدود المدة، فسيعني هذا أن كل قراراته ستبني علي أساس أنه سيأتي آخر من بعده، لديه سلطة أن يحاسبه علي تجاوزاته، مما سيجعله دوماً أكثر حرصاً علي تلك الصورة، التي سيحملها طوال حياته، بعد خروجه من السلطة... وبالتالي، سيختلف أسلوب اختيار الحكومة، فلن يتم إنشاء وزارات من باب المجاملة، ولن يتم انتقاء وزراء في غير موضعهم، وسيكون من الطبيعي، مادام الشعب ينتخب رئيسه ( بحق وحقيق )، أن يتم انتخاب الحكومة ( بحق وحقيق أيضاً )، وسيصبح الوزراء، في هذه الحالة، مسئولين أمام الشعب، وليس أمام الحاكم، ومن الطبيعي إذن أن يحرصوا علي الشعب، أكثر مما يحرصون علي حاكم، سيترك حتماً منصبه ذات يوم. فمن سيجرؤ عندئذ علي ارتكاب أخطاء فادحة، وتجاوزات لا محدودة، هي أقرب إلي البلطجة والفتونة، وفرد العضلات والإتاوات، في وجود شعب يراقب ويحاسب، ونظام له نهاية حتمية معروفة ؟! أيُّ رجل شرطة، يمكن أن يطيع أوامر رؤسائه، لو أنهم طالبوه بما يتجاوز القانون، وهو يعلم أنه سيأتي نظام آخر بعده، يحاسبه علي ما فعل ؟!... أسئلة عديدة، نحتاج إلي طرحها... في حديث قادم.