في فيلم المصير.. اختار أصدقاء «مروان» الذي جسد شخصيته في الفيلم «محمد منير» أن يودعوه بغناء أغنية.. «علي صوتك بالغنا».. وهي نفس الأغنية التي اختار «محمد منير» أن يودع أخاه الأكبر «فاروق منير» من خلالها كأغنية البداية في حفلته الأخيرة بنادي سموحة في إطار مهرجان الإسكندرية السينمائي.. لنتأكد أن بعض ما نشاهده في الأفلام كمشهد لأصدقاء يودعون صديقهم بالغناء قد يحدث في الحقيقة ليودع فنان كبير أخاه الكبير بالغناء.. ولنتأكد أننا يمكننا أن نحزن.. وأن نغني في الوقت نفسه.. ولنتأكد أنه.. «لسه الأغاني ممكنة.. ممكنة»!. ما هي الطاقة التي يمكن للحزن أن يمنحها للبني آدم منا.. هل هي طاقة سلبية أم إيجابية؟! سؤال كانت إجابته تكمن في ثنايا اللحظات والدقائق التي تكونت منها حفلة محمد منير الأخيرة.. وفي التزام منير بموعد الحفلة الذي شاءت له الأقدار أن يأتي بعد ثلاثة أيام فقط من رحيل أخيه الأكبر وصاحبه ومرشده الروحي والرجل الذي إذا عرفته لا تمتلك سوي أن تحبه.. «فاروق منير» رحمه الله.. وفي إدراك «منير» لأن هذا الالتزام لا يعني مجرد الصعود إلي ال stage والغناء وخلاص من منطلق أنه أياً كان ما سيحدث فإن الجمهور مستعد للغفران تقديراً منه لظروف الحفلة الصعبة.. ولكنه يعني الصعود إلي ال stage لتقديم أفضل آداء يمكن تقديمه من منطلق أنه يا تغني كويس.. يا تعتذر وتقعد في بيتكم وما تغنيش خالص.. نفس هذا المنطق كان هو المسيطر علي دماغ أعضاء فرقته ورفاق عمره وفريق عمله الخاص.. الجميع اتفقوا بدون اتفاق علي ضرورة تقديم أفضل حفلة يمكن تقديمها.. والظروف الصعبة التي يمر بها «محمد منير» ليست سوي سبب أقوي لضرورة خروج الحفلة في أبهي صورها.. وهو ما حدث بالفعل.. قبل الحفلة بحوالي 5 ساعات كان موعد «منير» مع أفراد فرقته الذين وصلوا لتوهم من القاهرة في الفندق الذي يقيم به بجانب نادي سموحة.. الجميع يحتضنون «منير» ويقدمون له واجب العزاء.. ويتحلقون حوله.. يتخطي «منير» المتماسك مشاعره بسرعة.. ويبدأ الحديث فوراً يتجه نحو الاطمئنان علي تفاصيل الحفلة ومراجعة بروجرام الحفلة الذي تم الاستقرار عليه.. ثم يبدأ الحديث تلقائياً في الاتجاه إلي «فاروق منير» الذي لا يوجد شخص من المقربين لمنير لا يمتلك معه ذكري جميلة.. «فاروق منير» ليس مجرد الأخ الأكبر لمطرب تحبونه.. إنه قامة أثرية مصرية لايتمتع سوي القليلين في مصر بما لديه من معرفة وثقافة ودراية واسعة بمجالي الآثار والفنون التشكيلية والفن بصفة عامة.. «فاروق منير» كان هو المسئول رسمياً أثناء حفلات وسفريات منير وفرقته في بلاد العالم المختلفة عن تعريفهم بالمتاحف والأماكن الأثرية التي ينبغي علي من يزور بلداً معيناً أن يراها.. كان هو أول من يستيقظ في الصباح.. ليوقظ الآخرين ناصحاً إياهم بالتخلي عن الكسل والاستعداد لزيارة المتحف الفلاني الذي يحتوي علي أعمال فلان وفلان وفلان.. «فاروق منير» كان من المساهمين الرئيسيين في اختيار الكثير والكثير من أغاني «منير» التي تحبونها.. كان بركاناً من الثقافة والفن والطاقة الإيجابية التي تتحرك علي قدمين.. وهؤلاء لا يعد فقدانهم فقداناً بالمعني المتعارف عليه.. أجسادهم فقط ترحل.. بينما تبقي أرواحهم الشفافة ما بقيت الحياة.. تنتهي جلسة «منير» السريعة مع أفراد فرقته بقراءة الفاتحة لروح الراحل الجميل.. بعدها يودعون «منير» ويتجهون إلي موقع الحفلة.. بينما يظل منير في حجرته يستعد نفسياً لحفلة شاءت لها الأقدار أن تكون بمثابة بالون اختبار لإثبات هل ما غناه منير منذ عدة سنوات.. «أفرح أغني.. أحزن أغني.. أتعب أغني.. دايماً باغني».. حقيقياً بالفعل.. أم أنه كلام أغاني.. وخلاص؟! ما يتمناه كل فنان في هذا العالم أن تجيء اللحظة التي يثبت فيها لنفسه أنه بجد.. وأن ما يغنيه ويبدعه ليس مجرد كلام والسلام.. وإنما هو قناعة حقيقية.. ودون أن يقصد أحد إثبات تلك القناعة.. تم إثباتها عن طريق تصاريف السماء والقدر.. لنتأكد أنه بالفعل قد يكون.. «الفرح شاطر.. والحزن شاطر.. والبحر غادر.. بأقوله حاضر» لكن.. وبالرغم من ذلك.. «أنا لسه قادر.. في الحزن أفرح».. كانت أصوات الآلاف وهي تردد وراءه.. «هيييه.. هيه هيه.. هييي.. هييي.. هيي.. هييي» بمثابة العزاء الأنسب والأليق الذي يمكن أن يقدمه جمهور.. لفنان يحبونه.. فنان بقامة «محمد منير»! ما هي الطاقة التي يمكن للحزن أن يمنحها للبني آدم منا.. هل هي طاقة سلبية أم إيجابية؟! لسه عايزين تعرفوا الإجابة؟!