لم يكن المال مسيطرًا علي حياتنا مثلما الحال الآن.. الفلوس أصبحت كثيرة ويتم تداولها بسهولة.. وأصبح أقل رقم أمامه ستة أصفار يعني مليون جنيه.. طبعًا لا أتحدث عني وعنك بل عن آخرين.. مصريين بالجنسية مثلي ومثلك لكنهم يتحكمون في كل شيء بفلوسهم. عندما طغت ظاهرة رجال الأعمال وثرواتهم اللامحدودة دون سند من تاريخ عائلي زراعي أو صناعي، فقد شغلني حجم النفوذ الكبير الذي يشغله أحدهم وهو المهندس أحمد عز رجل الأعمال وصاحب مصانع الحديد التي تحتكر حصة حاكمة منه في السوق المصرية.. وهالني حجم التأثير والسطوة التي يتمتع بها الرجل داخل الحزب وتحت قبة مجلس الشعب. صال الرجل وجال كثيرًا في الساحة السياسية، خاصة أن جذوره ليست سياسية، وقد سألت أكثر من قيادة بارزة داخل الحزب الوطني عن سر نفوذ عز، فوجدت هناك إجماعًا بينهم علي أن كلمة السر هي الفلوس، فالرجل بفلوسه يفعل كل شيء، يأمر فيطاع وأصبح الكل في الكل. لم يكن أحمد عز هو النموذج الوحيد لتلك الظاهرة فقد رافقه وسبقه كثيرون مثل محمد أبو العينين وإبراهيم كامل ومحمد فريد خميس.. إلخ من تلك القائمة، وفي انتخابات مجلس الشعب القادمة ظهرت وستظهر الفلوس بشكل فاضح ولن تكون علي استحياء.. فإذا أردت اليوم خوض انتخابات مجلس الشعب فيجب أن يكون في جيبك عشرة ملايين جنيه كحد أدني للإنفاق والرشاوي والذي منه والشيء لزوم الشيء. عندما تجمعك المصادفة مع أي من هؤلاء المرشحين خاصة ممن سيخوضون انتخابات مجلس الشعب علي قائمة الوطني، فسوف تسمع حكايات يشيب لها شعرك من كثرة الأرقام التي ينفقونها، يتحدثون مثلاً في الإسكندرية عن أحد الوزراء الذي جمع له أحد رجال الأعمال مليوني جنيه من أصدقائه رجال الأعمال لشراء أجهزة كهربائية وتسليمها للوزير كي يوزعها علي جمهور الحاضرين في مؤتمره الانتخابي.. كما ستشهد الأيام القادمة تكرار تلك الهدايا والمحاولات.. والسؤال: لماذا يدفع المرشح كل تلك الملايين وما الذي سيجنيه من دفعها؟.. المؤكد أنه سيجني أضعافها وإلا ما كان قد دفعها. يحكون أيضًا عن الأموال التي يتم دفعها من الآن لتظبيط الأجهزة التي ستشرف وتتابع العمليات الانتخابية.. والأرقام التي أسمعها بالملايين، وفي كل مرة أسمع فيها هذا الكلام ينتابني السؤال الساذج المكرر: إذا كان كل نائب سيدفع عشرة ملايين جنيه للوصول إلي مجلس الشعب فكم من الغنائم سيحصدها عندما يفوز بالمقعد والذي أصبح مغنمًا يتصارعون للفوز به دافعين فيه الغالي والرخيص؟!. إنها الملايين السهلة.. تلك التي جاءت بسهولة ومن ثم ينفقونها بسهولة.. يستحيل أن يكون هؤلاء قد تعبوا في كسب تلك الأموال وإلا ما دفعوها بتلك السهولة.. ظاهرة الملايين السهلة ليست في السياسة والانتخابات فقط بل في قطاعات كثيرة مثل الرياضة.. فإذا كان عضو مجلس الشعب يدفع تلك الملايين فإنه وعبر منظومة الفساد يمكنه تعويضها.. لكن ما الذي سيستفيده رجل أعمال عندما يدفع أربعة ملايين جنيه غرامة لناد أوروبي عن لاعب مصري (عماد متعب). الخميس الماضي نشرت «الدستور» خبرًا ينبغي قراءته بعناية، حيث كتب محرر الخبر أن رئيس نادي الزمالك ممدوح عباس صرف علي النادي من جيبه الخاص 43 مليون جنيه ولديه ما يثبت ذلك.. وأنه إكرامًا للنادي العريق فقد تنازل عن عشرين مليون جنيه حتة واحدة. ضربت كفًا بكف وتساءلت إذا كان الرجل قد تنازل عن عشرين مليونًا دفعة واحدة وبقيت 23 مليون جنيه في علم الغيب.. فكم ثروة هذا الرجل ومن أين اكتسبها. ولماذا ينفقها هكذا وعلي بند واحد فقط؟!. كثيرة هي الملايين السهلة في مصر لكنها للأسف بعيدة عن الشعب!.