من المسيء للحكومة أن تعتقل فناناً وتحبسه وبنفس القدر من السوء أن يفعل الفنان ما يستدعي حبسه.. هكذا جاءت إجابة «عباس كيروستامي» المخرج الإيراني الشهير في حواره مع «ندي الأزهري» علي صفحات جريدة «الحياة» الدولية!!. «عباس» بين عدد محدود من المخرجين الكبار الذين يقفون علي الحافة مع نظام الحكم الإسلامي في إيران لا هو ممن يعلنون تأييده ولا هو أيضاً ممن يجهرون بانتقاده ولهذا فإنه ليس ممن ترحب بهم إيران رسمياً وأيضاً ليس بين من يتم اتخاذ إجراءات ضدهم تحول دون تنقله داخل وخارج إيران لأنه في العادة لا يرتكب أي أخطاء تتيح للدولة أن تشرع في عقابه.. الفنان بالتأكيد عليه ألا يفعل ما يثير الدولة ضده فلا يخالف القوانين إلا أن الأمر عندما يتعلق بالدفاع عن الحرية فإن الموقف في هذه الحالة ينبغي أن يتجاوز الحياد.. الفنانون في إيران لا تقدمهم الدولة للمحاكمة لمخالفات شخصية ولكن لأنهم يتصدون للقانون الذي يكبل الحرية.. مثلاً المخرج الشهير «محسن مخلباف» والذي تضم أسرته علي الأقل ثلاث مخرجات يعملن بالمهنة زوجته الثانية ثم ابنتيه «سميرة» و«هانا» الابنتان شاركتا بأفلامهما في مهرجانات عالمية وحصدتا أكثر من جائزة.. «محسن» كان مناهضاً لحكم شاه إيران وكان رهن الاعتقال من البديهي في هذه الحالة أن يصبح مؤيداً للثورة الإيرانية وهذا هو ما حدث واستطاع بالفعل أن يصبح عنواناً للسينما في إيران بأفلام مثل «كان ياما كان»، و«سلام سينما»، و«راكب الدراجة» ثم اختلف مع الثورة بسبب القيود التي تمارس ضد الحرية.. أيد «مخلباف» التوجه الإصلاحي في إيران الذي قاده «موسوي» ولهذا فهو وعائلته أصبحوا الآن من المستبعدين وصارت إقامته خارج الحدود هي الحل الوحيد.. مخرج آخر استبعدته الدولة إنه «جعفر ياناهي» صاحب فيلم «البالون الأبيض» الحاصل علي جائزة «أسد» فينيسيا وهو المخرج الذي استحوذ علي كل الاهتمام في مهرجان «كان» الأخير منذ افتتاحه حتي حفل الختام.. هذا المخرج كان رهن الاعتقال والآن أفرج عنه ولكنه ممنوع من السفر ولهذا لم يستطع مؤخراً التواجد في مهرجان «فينيسيا» رغم عرض فيلمه القصير «أوكرديون» هناك.. المخالفة التي ارتكبها أنه صور بعض لقطات في الشوارع دون الحصول علي إذن وهي بالمناسبة جريمة يعاقب عليها أيضاً بالسجن القانون المصري؟! «جعفر» أيضاً من مؤيدي الإصلاحيين وأتصور أن «كيروستامي» يقف في الخندق نفسه إلا أنه حريص علي ألا يغضب الدولة.. «كيروستامي» يدافع عن حق الحرية لجعفر ياناهي لكنه يؤخذ عليه عدم التزامه بالقوانين في إيران.. حتي ولو كانت هذه القوانين تكبل الحرية!!. في كل البلاد التي يقيد فيها الفنان تستطيع أن تري تنويعات علي «كيروستامي»، فنانون يقفون علي يسار الدولة وبرغم ذلك فهم ليسوا خارج الدولة.. لا أستطيع أن أدينهم وهم يمثلون علي سبيل المثال 90% من النخبة في مصر يمسكون العصا من المنتصف مثلما يفعل «كيروستامي» يهاجم الحكومة التي تعتقل الفنان ويهاجم الفنان الذي يواجه الحكومة!!