كان الرئيس الروسي خروشوف يحكم الدولة السوفيتية وهي في أوج عظمتها وفي عز مجدها، وقد وفرت له الإنجازات العلمية العظيمة التي تحققت في عهده وعلي رأسها إرسال سفينة إلي الفضاء للمرة الأولي..حققت له ثقة كبيرة بالنفس وبقدرات شعبه بعد أن أصبح الاتحاد السوفيتي في عهده إحدي قوتين عظميين تتقاسمان السيطرة علي العالم. وقد تجلت هذه الثقة في ردود أفعال الرجل التي كانت مثيرة للدهشة في كثير من الأحيان وأشهرها تلك المرة التي خلع حذاءه فيها ودق به علي الطاولة داخل الأممالمتحدة مهدداً ومرعداً عندما كان يلقي خطاباً نارياً بالمنظمة الدولية. والموقف الآخر عندما حدثه السفير الإيطالي في موسكو ذات مرة بإجلال مبالغ فيه عن بابا الفاتيكان، وقد أطنب المتحدث وأفاض في الحديث عن أهمية الرجل الكونية وتأثيره الروحي في الملايين، وهو الأمر الذي اضطر خروشوف إلي أن يقاطع الرجل في حدة متسائلاً: أي أهمية هذه التي تتحدث عنها؟. كم فرقة مدرعة يمتلك هذا الرجل.. كم صاروخ..كم طائرة؟..هذه هي الأشياء التي تمنح الرجال أهمية ولا أراه يمتلكها منها شيئاً!. ومع كل نوادر خروشوف والقصص التي تحدثت عن جسارته وعدم تمتعه بقدر عالٍ من اللياقة طبقاً للمفهوم الغربي فإن حكاية طريفة هي التي تستهويني من سيرة الرجل وقد حدثت داخل القصر الملكي البريطاني وسردها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتاب «سنوات الغليان». كان الرجل في زيارة رسمية إلي بريطانيا وتمت دعوته إلي العشاء مع الملكة وعائلتها بالإضافة إلي رئيس الوزراء والوزراء وكبار الشخصيات في الدولة من أعضاء مجلس اللوردات ومجلس العموم، ويبدو أنهم حشدوا له كل الشخصيات المهمة إدراكاً لأهميته وأيضاً لمعادلة صلفه وجرأته وللتدليل علي مكانة بريطانيا. في وسط الحشد الكبير الذي انتظم لمصافحته قدموا له دوق يورك الأمير فيليب فمد يده وصافح الرجل، لكن أحس الحضور بأنه ربما لا يعرف أن هذا الرجل هو زوج الملكة إليزابيث فمال علي أذنه أحد رجال البروتوكول وأخبره بأن هذا الرجل هو دوق يورك فتساءل خروشوف - زعيم البروليتاريا في العالم ورئيس الحزب الشيوعي السوفيتي الذي هدم الإمبراطورية القيصرية وقضي علي طبقة الأمراء- في براءة حقيقية: ما معني دوق يورك؟ فشعر الحضور بالحرج واقترب منه البعض وهمسوا له بأن هذا الرجل هو الأمير فيليب. لكن هذه الإجابة لم تزده إلا حيرة فسألهم: ماذا يشتغل هذا الرجل.. هل هو وزير أم محافظ أم ماذا؟. وهنا أغرق الجميع في الخجل وحاولوا أن يتداركوا الموقف المحرج ويفهموا هذا الجلف الروسي الأهمية الملكية للأمير فقالوا له: يا فخامة الرئيس هذا الرجل هو زوج الملكة. وهنا أبدي خروشوف تفهمه لكنه تساءل: ولكن ما طبيعة عمله؟. قالوا له محرجين: يا صاحب الفخامة نقول لك إن هذا الرجل هو زوج الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا. وهنا صاح بهم خروشوف: نعم نعم ولكن ماذا بالله عليكم يفعل بالنهار؟. وهنا كاد يغمي عليهم جميعاً!.