بعيدا عن الشعارات والغرف المغلقة للحوار مع الآخر قرر أن يعلم الغرب علوم القرآن بطريقته الخاصة فذهب إلي عقر دارهم يتعلم لغتهم وثقافتهم ورؤيتهم للدين الإسلامي ليبدأ في ترجمة القرآن الكريم رغم اعترافه بأن الفرق بين القرآن الكريم وترجمته كالفرق بين الخالق والعبد. إنه الدكتور أحمد زكي حماد - رئيس مجمع القرآن الكريم بالولايات المتحدةالأمريكية- وأول رجال الأزهر الذين قاموا بتقديم تفسير للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية كما قام بترجمة القرآن الكريم في واحدة من الترجمات التي أشاد بها الدكتور يوسف القرضاوي واعتمد ها العديد من المؤسسات الدينية في أمريكا وهو يعكف الآن علي إعداد قاموس لمفردات القرآن الكريم باللغة الإنجليزية.وكان لنا معه هذا الحوار. شهدت السنوات الماضية العشرات من الدعوات للتسامح والتلاقي بين الأديان لكنها لم تحقق شيئا.. ما البديل العملي في رأيك؟ - علي العلماء والعقلاء الوقوف أمام صيحات التحارب والتناحر باسم الدين والحل العملي هو نزع النقاب عن الصورة المشرقة لكتاب الدين الإسلامي ونبيه محمد «صلي الله عليه وسلم» وإشاعة تعاليم القرآن الكريم سلوكا وفعلا عملا بقول الله تعالي «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة» وإشاعة مفهوم أن الإيمان بالله هو المساحة المشتركة التي يمكن الانطلاق منها نحو المحبة والسلام لذلك فالتعريف بالإسلام مسئولية كل مسلم عملا بقوله «بلغوا عني ولو آية «والخطأ أن يتصدي للإسلام من يجهل به فيظهر بعض السفهاء المنتمين لبعض الأديان أو المتسترين وراء الدين ليهاجموا الدين الإسلامي هل يعني ذلك أننا كمسلمين أسأنا للمصحف والدين؟ - نحن قصرنا في عرض تعاليم الإسلام بلا شك فعلي سبيل المثال نجد أن العهدين القديم والجديد ترجم لأكثر من 3 آلاف لغة ولهجة في العالم وهناك قطاعات عريضة وضخمة في إسبانيا وأفريقيا لم تسمع عن القرآن الكريم حتي اليوم ولا عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا عن دين الإسلام حتي الآن اللهم ما يتردد عن وكالات الأنباء العالمية التي تنقل المآسي الموجودة في ديار الإسلام. هل تري أن الترجمة هي الحل في تصحيح صورة الإسلام؟ - نعم بكل تأكيد ولكن الترجمة الصحيحة للمعاني، فالترجمة تجلي سماحة وتعاليم القرآن الكريم لمن لا يعرفونه أو أمام من يزعمون أن القرآن نص عربي يخاطب العرب وحدهم ولا يتعداهم إلي غيرهم. وهل توجد من الترجمات الدقيقة ما يقوم بهذا الدور؟ - للأسف الشديد علي الرغم من أن ترجمة القرآن الكريم بدأت في عهد النبي «صلي الله عليه وسلم» علي لسان رسله لملوك الفرس والروم والحبشة ونجد أن رسول النبي للملك النجاشي كان يتحدث بلغة الهشورية وهي بنت عم اللغة العربية فقرأ الرسول علي النجاشي سورة مريم بلغته وكان سلمان الفارسي يترجم معاني القرآن الكريم للغة الفارسية ولكن منذ ذلك الحين وحتي بدأ «القرن العشرين» تجاهل المسلمون هذا الأمر. وهل ترجمة معاني القرآن الكريم تعد قرآنا؟ - لا.. فهناك فرق شاسع بين القرآن وترجمة معانيه كالفرق بين الخالق والمخلوق وهذا الأمر قد أثار جدلاً واسعًا بين العلماء حول استحالة أن يتمكن مخلوق من محاكاة القرآن الكريم لماذا قررت ترجمة القرآن الكريم؟ وكيف تم ذلك؟ - عندما ذهبت لأمريكا وجدت أن هناك رسالة لابد أن أقوم بها وهي تعريف هؤلاء بحقيقة القرآن، فجمعت كل ما تمت ترجمته من القرآن الكريم منذ القرن الثامن عشر علي يد المستشرقين وقراءته، ووجدت فيه ما يهدم صور الإسلام في عيون هؤلاء علي الرغم من عدم الإقبال علي تلك الترجمات وبدأت في ترجمة معاني القرآن الكريم في رحلة استغرقت ما يقرب من 20 عامًا.. صدر في جزءين، الأول: يحمل التفسير الإنجليزي والنصف الثاني: يحمل القرآن بالرسم العثماني علي يد خطاط سوري حتي يرجع من يقرأ المعاني إلي النص الأصلي. ولماذا قررت تفسير القرآن باللغة الإنجليزية؟ - لأنه لا توجد ترجمة لكتب التفسير باللغة الإنجليزية، كما أن تفسير القرآن بحاجة إلي تجديد فالمفسرون انشغلوا بالتفسير لأجيالهم وعلينا أن نعيد النظر في القرآن وفق قواعد التفسير المجمع عليها، وتتم إعادة تقديم معاني القرآن الكريم إلي الغرب وإلي أبناء هذا الجيل من الأمة الإسلامية. ما القواعد التي تجب مراعاتها في الترجمة؟ - العمل بروح القرآن وترجمة الكلمة ليس بظاهرها، ولكن بالغرض الذي وضعه الخالق من أجلها وكذلك الإلمام الجيد بثقافة اللغة الأم فعلي سبيل المثال لا يمكننا بالاكتفاء بالتفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك فهد ولا بتفسير واحد مختصر في نقل معاني القرآن إلي لغات أخري لأن ذلك قد يقضي إلي إغفال التباين بين فئات الناطقين باللغة الواحدة لأن هذا يؤدي إلي تضييق رسالة القرآن الكريم وحصر معانيه في نطاق محدود وهو الحال كذلك بالنسبة لترجمة القرآن الكريم. ولما لا تتم كتابة القرآن باللغة اللاتينية؟ - لأن هناك طبقة صوتية لمخارج الحروف تختلف من لغة لأخري فمثلا عندما ننطق حرف الصاد في القرآن لا يمكن أن يضاهيه حرف ال«s » في اللغة الإنجليزية وعلينا ألا نقف في مراعاة مستوي التخاطب عند ترجمة القرآن الكريم بل لابد أن يتعداه إلي ضرورة التنوع في إخراج الترجمة فهناك حاجة إلي طبع النص الإنجليزي وحده ليسهل حمله وإهداؤه لغير المسلم وكذلك إعداد نسخة ميسرة يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت وكذلك إخراج الترجمة بطريقة بريل حتي يمكن نشر تعاليم القرآن الكريم.