من الملاحظ أن قطاعاً واسعاً من الإسلاميين يسلكون سلوكا مؤيدا للنظام الحاكم وإن كان بشكل غير مباشر، ويمكن رصد هذا السلوك المؤيد للنظام الحاكم في عدة قضايا علي النحو التالي: تكاد تعتبر هذه التيارات الإسلامية أن هذا النظام الحاكم هو نظام إن لم يكن مثالياً فهو نظام مقبول بالمعايير الإسلامية حسب فقههم هم، ذلك الفقه الذي يعتبرونه المرجعية الإسلامية الثابتة والصحيحة دون سواها. و دائماً ما تتخذ هذه التيارات مواقف حادة بشكل مجاني من قوي المعارضة الإسلامية والعلمانية علي حد سواء، و ربما كانت عينهم علي سماح النظام لهم بالوجود مقابل هذه المواقف المعارضة لكثير من معارضي النظام، ولكن لاشك أن هذا ثمن بخس لسبب بسيط هو أن وجود هذه التيارات حتمي لنظام الحكم فالنظام الحاكم لا يسمح لهم بالوجود كمجرد إحسان منه وإنما هي ضرورة سياسية ومجتمعية بل أمنية أيضاً هو مضطر ومحتاج إليها. وكثيرا ما تقوم هذه التيارات بانتقاد أساليب قوي المعارضة المختلفة، تلك الأساليب التي تكون بالطبع موجهة للنظام الحاكم، وأحيانا نلاحظ أن أشد هذه الأساليب تأثيراً ضد الحكومة هي الأكثر تعرضاً للانتقاد من قبل هذه التيارات أو بعضها، وكأن هذه التيارات لم تقرأ قولة أبي سفيان بن حرب (قبل إسلامه) في غزوة أحد عندما قال للنبي صلي الله عليه وآله وسلم «...... وتجدون مُثلة لم آمر بها ولم تسؤني» رواه البخاري، فهكذا يتبرأ أبو سفيان من سلوكيات فعلها ناس من جيشه أو من فريقه تختلف مع قيمه ومبادئه لكنه يعلن أنها لم تسؤه لأنها ضد عدوه فما يضيره إن تضرر عدوه؟ وعلي كل حال فربما لا يروق للبعض تفهم هذه القضية من خلال مثال لسلوك أبي سفيان أيام كفره، لكننا سنسوق مثالا أمرنا الله بتأسيه وهو سلوك النبي صلي الله عليه وآله وسلم في واقعة أبي بصير، إذ لما جاء أبو بصير مسلماً للنبي صلي الله عليه وآله وسلم وهارباً من تعذيب قريش له بعد صلح الحديبية ورده النبي صلي الله عليه وآله وسلم لقريش، حسب معاهدة الحديبية، وقتل أبو بصير القريشي الذي تسلمه من النبي صلي الله عليه وآله وسلم ورجع أبو بصير للنبي فجاءه فقال: يا نبي الله قد والله أوفي الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم.فقال النبي: « ويل أمه ! مسعر حرب لو كان له أحد !» فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتي أتي سيف البحر، وانفلت من قريش أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتي اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلي الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، وكان العهد حينئذ بين النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقريش وفق صلح الحديبية بألا يتعرض النبي لقريش بحرب ولا تتعرض قريش للنبي بحرب. فماذا يضير هؤلاء الإسلاميون أن تنال معارضة إسلامية أو غير إسلامية من النظام الحاكم نيلاً بضغط أو إحراج سياسي أو نحو ذلك؟! أليس معارض خصمي هو بالضرورة مجتمعا معي علي هدف ما؟! كما من الملاحظ أن هؤلاء الإسلاميين الذين نتكلم عنهم لا يثقفون أتباعهم علي أساسيات حقيقة الصراع بين الحق والباطل، ولذلك فكثير منهم يرتعدون من مجرد فكرة معارضة النظام معارضة جدية وحاسمة، كما أن كثيراً منهم لا يمكن أن يصمدوا في حالة تعرضهم لضغط جدي من النظام الحاكم، والمحصلة النهائية لذلك كله ضعف سياسي عام يعاني منه هذا التيار، الأمر الذي يحدد مدي سقف معارضة هذا التيار للنظام الحاكم ما لو قرر قادة هذا التيار في يوم من الأيام أن يقولوا «لا» قاطعة لهذا النظام. وهنا سؤال يطرح نفسه بشدة: ما سبب هذا السلوك المؤيد للنظام الحاكم الذي يسلكه هؤلاء الإسلاميون؟ في الواقع هناك أسباب كثيرة لكننا سنركز هنا علي سببين: الأول- أن هؤلاء الإسلاميين في غمرة معارضتهم الحادة والتامة للفكر الجهادي الذي يطعن علي شرعية النظام الحاكم بشكل كامل قاموا بإسباغ شرعية شبه كاملة علي النظام، متناسين أن هناك درجات مختلفة من الشرعية ومتناسين أنه قد توجد مطاعن شتي علي أي نظام حكم بعيداً عن الجدل الجهادي/ السلفي، أو الجدل السلفي / الإخواني، فمستحيل أن يكون النظام الحاكم مرفوضاً ومكروهاً وموصوماً بكل العيوب والنقائص في جميع المجالات ومن جميع قوي الشعب ورموزه ثم يظل هؤلاء الإسلاميون أسري الفكر التقليدي الذي يري أن الحاكم دائماً علي حق مهما فعل، ويعتبرونه وكأنه أمير المؤمنين رغم أننا في دولة علمانية لا تعترف بهذه الأطروحات أصلاً، ورغم معارضة ذلك للعديد من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تعري هذا النظام تماماً. الثاني- أن هؤلاء الإسلاميين عزلوا أنفسهم عن الواقع السياسي بشكل كامل، الأمر الذي جعل صورة هذا الواقع الكاملة بما فيها من تفصيلات مهمة مشوشة جداً أمامهم، الأمر الذي أخفي عليهم فرص ومخاطر هذا الواقع.