.. البرادعي عايز «عصيان مدني» والغد، والجمعية الوطنية أيضاً عايزين عصيان مدني، ويبقي السؤال: تري «مدني» عايز مين؟! .. بهذا التعليق الساخر، الذي دونه الناشط السياسي الشاب أحمد بدوي علي شبكة «تويتر» إشارة لأهمية توضيح معني تلك العبارة، التي بدأت تتناقلها وسائل الإعلام علي لسان ساسة وقادة رأي عام دون أن تحظي بالبيان الوافي لماهية ومعني «العصيان المدني»!!. .. في كتابه «طريق المقاومة» يعرف «بير هيرنجرين» العصيان المدني بأنه ذلك النشاط الشعبي المتحضر، الذي يعتمد مبدأ اللا عنف، والذي يتم عبر تحدٍّ لأوامر وقرارات نظام سياسي يحكم سيطرته وهيمنته واحتكاره لوسائل وسبل الحوار.. أو بالأحري يرفضها. .. فالعصيان المدني ليس إغلاقاً لنوافذ الحوار، بل في حقيقته هو حوار من خلال أفعال وأنشطة مبتكرة توجه ضد نظام لا يعرف غير «حوار الطرشان»!! .. فعندما يصم النظام في مصر أذنيه عن الاستماع لمطالب الأمة السبعة، ويدير ظهره مرة تلو الأخري تجاه جميع المبادرات الإصلاحية، ويصر علي الإبقاء علي سبل تزوير الانتخابات العامة، ومصادرة إرادة الأمة، لابد من البحث عن سبل جديدة تحرك المياه الراكدة، وتدفع بالحوار خطوة للأمام عبر وسائل جديدة ومبتكرة للضغط. .. والسؤال هنا هو: هل الدعوة للعصيان المدني هي دعوة للفوضي والاضطراب والهرج والمرج؟! والإجابة: بالقطع لا!! فالعصيان المدني بطبيعته هو سلوك لا عنيف يعتمد علي الرمزية والرسالية عبر الوسائل السلمية التي تهدف إلي الحفاظ علي القيم السامية وترسيخ العدل والحرية حتي لو تعارض هذا السلوك مع بعض القوانين الظالمة. .. ومتي يصبح العصيان المدني حلاً وحيداً أو بالأصح، أخيراً؟! والإجابة هي عندما يغلق النظام جميع أبواب الحلول الأخري، فلا تبقي غير هذه النافذة خاصة عندما تتحول الدساتير والقوانين من أدوات لتنظيم الحقوق والحريات لأسلحة لاغتيالها!! .. «هنري ثوروا» الأب المؤسس لنظرية «العصيان المدني» أطلق صيحته المشهورة قائلاً: «إذا كانت مشيئة القانون هي الظلم، فأنا أدعوكم لخرق هذا القانون الفاسد»، كما قال أيضاً: «لا أري للنظم الفاسدة سلطة تحترم»!! .. المثل المصري القديم: «إيه فرعنك يا فرعون؟! لم أجد من يردني!!» هو تجسيد حي لمفهوم «المعارضة» بالاحتجاج والرأي، و«المقاومة» التي تأتي إذا فشلت السبل التقليدية في الاحتجاج بالرفض وبالرأي.. فالعصيان هو مقاومة لإجبار من لم يستجب للمعارضة بالاحتجاج.. .. فالاحتجاج هو مجرد تعبير عن موقف بمعارضة تصرف أو قانون ما، ثم العودة والإذعان لهذا القانون إذا صدر، أما المقاومة فهي تحدي هذا القانون لتقويضه وتجريده من شرعيته!! .. «المهاتما غاندي» الذي قاد العصيان المدني بالهند قال: «لو أن الرجل يشعر بأنه ليس من الرجولة أن يطيع القوانين الجائرة، لن يستطيع أي طاغية أن يستعبده». .. وهنا تجدر الإشارة إلي أن أنشطة العصيان المدني ليست قطعاً للحوار الإصلاحي مع النظام الفاسد، بل هي في البداية محاولة جادة لإصلاح فرص الحوار للوصول لنتائج من خلال القيام بأنشطة وأعمال تقنع النظام القمعي بأن تكلفة القمع أعلي بكثير من المكاسب الناتجة عن استخدامه. .. إنها ليست دعوة لخرق الدستور وتعطيل القانون بل هي حركة لتتخلي الأنظمة العنيدة والمكابرة عن عنادها وكبرها وتقبل بقواعد دستورية وقانونية تعبر عن مصالح المجتمع ورغباته وحقه في الرقي والتقدم للأمام وليس للخلف للصعود لأعلي لا للهبوط لأسفل!! .. سلم العصيان المدني له درجات مختلفة، صعوداً من مقاطعة الانتخابات احتجاجاً علي غياب قواعد عادلة وشفافة لنزاهتها، وصولاً إلي أعلي درجات السلم.. وهذا ما ستناقشه اليوم الهيئة العليا لحزب الغد وصولاً لقرار يعلن اليوم. .. فعندما يتعري النظام ويكشف وجهه بكل قبحه من العار أن نستر نحن عورته بمشاركته في لعبة فاسدة ستسقط مع سقوط النظام.