لم أكد «كمسلم» أشعر بالارتياح وأتنهد فرحًا بمجرد ظهور «كاميليا شحاتة» زوجة كاهن ديرمواس المختفية للمرة الثانية في شريط فيديو مصوّر تعلن فيه تمسكها بمسيحيتها وكنيستها وزوجها وابنها ظنًا مني أن هذا الشريط سيحسم الجدل وينهي الشكوك المتزايدة حول إسلامها واحتجازها في مكان غير معلوم بمعرفة الكنيسة، حتي أدركت أنني كنت واهمًا، فقد انهمرت تعليقات القراء سيلاً علي الخبر أينما نُشر بصورة لم تحدث من قبل حتي وصل عدد التعليقات في أحد المواقع إلي أكثر من 1500 تعليق خلال ساعات قليلة، ولم تكن المفاجأة في هذا الكم الهائل من التعليقات وإنما في حالة التربص والتحفز غير العاقل عند القراء والتي جعلت من التعليقات مسرحًا للصراع بين المسيحيين والمسلمين وحقلاً خصبًا لإشعال نيران الفتنة الطائفية ونثر بذورها .. لقد تصورت للحظات أن هذا الفيديو القصير سيحسم القضية بمجرد عرضه مثلما من المفترض أن يحسمها فيديو فتاة الإسماعيلية التي أعلنت فيه إسلامها وأشهرت وثيقته بكامل رغبتها وإرادتها، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيًا، فكما شكك المسيحيون بلا منطق في وثيقة إسلام فتاة الإسماعيلية «مارينا زكي» شكك المسلمون بإصرار في شخصية كاميليا التي أظهرها الفيديو، ووسط ضجيج التشكيك من الطرفين خفتت الأصوات العاقلة وتوارت عن الأسماع دون أن ينتبه الجميع إلي أن إسلام مارينا أو عدم إسلام كاميليا يبدو حدثًا هامشيًا إذا قورن بهذا التوجس والتحفز وهذا الإصرار من الطرفين علي الاحتكام دائمًا لنظرية المؤامرة. لقد دفعني هذا الاختلال لإعادة تأمل لقطات الفيديو التي أظهرت فتاة الإسماعيلية معلنة إسلامها، ومثلها تلك اللقطات التي أظهرت زوجة القس معلنة تمسكها بمسيحيتها، فوجدت أنها في حد ذاتها الدليل الأكيد علي أن هناك شيئًا ما من الخطورة بمكان، فلست أظن أن أيًا من مارينا التي أسلمت أو كاميليا التي لم تسلم قد ارتكبت جرمًا أو شكلت تنظيمًا سريًا يعمل علي قلب نظام الحكم بالقوة أو تسببت في انهيار برجي مركز التجارة العالمي أو فرت من معتقل جوانتانامو أو سجن أبو غريب، فلماذا نجعل من ظهورهما لغزًا يخفي أكثر مما يظهر ويمنع أكثر مما يمنح؟ فيبدو وكأنه واحد من بيانات قادة تنظيم القاعدة المطلوبين من جميع أجهزة الاستخبارات في العالم كله متجاهلين أن من حق السيدتين أن تعتنقا ماتشاءان من ديانة دون إكراه أو ملاحقة وأن تعيشا حياتيهما في أمان ودون خوف وأن تتمتعا بالحرية الكاملة في التحرك والتنقل فليست كاميليا شحاتة مستهدفة من المسلمين، ولا يجب أن تكون مارينا زكي بعد أن أصبحت مريم المسلمة مستهدفة من المسيحيين. إن من حقي كمسلم يعتز بدينه ويتمني أن يدخل الناس فيه أفواجًا أن أسعد بإسلام مارينا زكي بعد أن هداها الله للإسلام وأنار قلبها به، ولكن من حقي أيضًا كمسلم يُعمل عقله كما علمه الإسلام ويدرك ما يحاك بهذا الوطن من مؤامرات وقودها الأكثر اشتعالاً هو الفتنة بين مسلميه ومسيحييه أن أسعد أكثر عندما تعلن كاميليا أنها لم تعتنق الإسلام وأنها معتزة بمسيحيتها، فالإسلام هو دين الحرية والتسامح الذي يدعو إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويؤكد لغير المسلمين بمنتهي الوضوح أن «لكم دينكم ولي دين». إنني ألتمس العذر للأجهزة المعنية وأجهزة الأمن فيما يبدو أحيانًا من تجاوزها لبعض الحقوق فيما يختص بهذا الملف فهمّها الأول ألا تسمح بأن يغذي تجار الفتن نار الطائفية فينزلق إلي غياهبها ضعاف العقول ومحدودي الثقافة، فمن الحكمة دائمًا مراعاة الظرف العام، ولعل هذا يفسر توقيت ظهور كاميليا الذي أستطيع أن أجزم أنه لم يكن مصادفة، فلاشك أن الأجهزة الأمنية لعبت دورًا ما في هذا الأمر حتي لا يصبح عيد الفطر يومًا عامًا للتظاهر من أجل كاميليا فكان الظهور الذي لم يمنع من تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية عقب صلاة العيد رغم أنه من المؤسف أن يتصور عامة المسلمين أن التظاهر هو سبيلهم إلي الجهاد دفاعًا عن الإسلام، ويعتقد عامة المسيحيين أن الاعتصام هو سلاحهم فيما يعتقدونه من قمع واضطهاد، فهذا هو ما يعكس تخلي علماء الدين عن دورهم واقتصار هذا الدور علي مجموعة من الصور الفوتوغرافية واللقطات التليفزيونية التي يتعانق فيها رجال الدينين الإسلامي والمسيحي يتم تتويجها بإفطار الوحدة الوطنية بينما الداء يستشري في جسد الأمة كالنار في الهشيم ومع كل قبلة يطبعها شيخ علي جبين قسيس تتهاوي الوحدة أكثر بعد أن وهنت لدي الجميع منذ زمن بقايا الوطنية.