أعترف بأن هذه محاولة أخيرة لكتابة هذا المقال أرجو أن أنجح فيها فثبات العقل في مكانه في مواجهة ما يحدث يحتاج مشاعر ومواقف متبلدة وميتة وغمس القلم أسبوعياً في النار والدم يحرق الروح والرصاصات المجرمة التي أصابت وقتلت مجموعة من أبنائنا في نجع حمادي، لم تصبهم وحدهم إنها تواصل مهمة خبيثة لتدمير ما عاشت عليه مصر واستقوت به دائماً في وحدة أبنائها.. ولا أجد تشبيها أدق من صفر المونديال الذي وصف به المستشار الملط العملية التعليمية في مجلس الشعب .. إنه صفر في إدارة ملفات الحياة كلها وأخطرها ملف الوحدة الوطنية وجريمة نجع حمادي يفسرها واحد من اثنين إما السياسات الفاشلة التي تشعل النار وتحرق مصر سياسياً واقتصادياً وثقافياً وقومياً، حيث يثبت كل يوم وفي كل حادثة مشابهة أن ملف الوحدة الوطنية يدار بأيد جاهلة وشريكة في صنع المأساة ومع سبق الإصرار تستخدم المسلمين والمسيحيين كجزء من اللعبة الحزبية الآثمة والمزورة وتحتكر المحليات بأعلي درجات الفساد وتنشر جميع أشكال الفقر والتخلف لتفرخ المفاهيم المغلوطة للأديان، وإما التعصب الأعمي الذي تشهده مصر الآن ويضع الحزب ونوابه ومن ينضمون إليه فوق القانون.. أو تجعلهم هم القانون. سؤالان ينتظران إجابة : أولهما عن معني وتفسير ما يتردد خفية وعلناً من إشارات عن محرض مجهول وعن مسئولية نائب بالحزب الحاكم؟! وما معني ما نشر عن تأكيد محضر الشرطة والذي قامت بتسليمه للنيابة عن وجود محرض علي ارتكاب الجريمة لم تحدد هويته بعد؟! وهل بين المتهمين من ذبح مواطنين في سوق من الأسواق وأطلق سراحه دون محاكمة؟! أي نفوذ لابد أن يملكه مثل هذا المحرض والحامي لقاتل أجير وإذا لم يتم إعلان اسمه فهل هذا يعني أننا أصبحنا دولة تديرها أشباح خفية؟! في جريمة نجع حمادي الشرطة تطلب من النيابة البحث عن المحرض المجهول - وفي قضية وزير الإسكان السابق ومليارات وثروات المصريين المنهوبة الناس تتساءل: من كان يحمي إبراهيم سليمان؟ دعونا نرجئ مصيبة الإسكان ونبقي الآن في مصيبة الاحتقان الطائفي الذي ينتشر في مصر كالسرطان والذي تفسره السياسات الفاشلة والجاهلة والمصالح والفساد الحزبي الذي استغل كل شيء ليحقق مطامعه واستقواءه حتي بالهوس الديني وليصطنع بها أغلبية لم يستطع أن يصنعها بشعبية حقيقية وعدالة المواطنة - وهو ما يقود إلي تساؤل لا يقل أهمية: بماذا يفسر ازدياد اشتعال كثير من هذا الاحتقان الطائفي في فترات الإعداد والترتيب لاختطاف وتزوير انتخابات جديدة؟! وإذا لم تفسر الأزمة بهذه السياسات فهل تفسر بأنها مُصدرة من الخارج لتنفيذ مخطط خبيث من مخططات التقسيم والتمزيق العرقي والطائفي المنتشرة في المنطقة الآن؟ ولو كان هذا صحيحاً فهو إدانة أخري تؤكد صفر إدارة السياسات، فنجاح المخطط يعني انهيار جهاز المناعة الوطنية والثقافية الذي كان يجب أن يحمي وحدة أبناء مصر، يبدو أن الأسئلة لا نهاية لها لهذا المشهد الدموي الغريب علي طبيعة وسماحة المصريين.. من المسئول عن محاولة استبدال تطبيق القانون بالإجراءات العرفية؟ وهل أصبحنا قبيلة بدلا من دولة؟! من سلب القانون نفوذه وعدالة تطبيقه علي الجميع في هذه الدولة الرخوة؟ وهل طبقت أحكامه ووقع العقاب علي من ارتكب مخالفات وأعمالا إجرامية من الجانبين؟ وإذا كان هذا صحيحاً فما معني تهجير 165 مسيحياً من نجع حمادي إلي مناطق بعيدة حماية لهم من الانتقام؟ ما مدي صلاحية نظام يعجز عن توفير الأمن للمواطن في بلده ومدينته أو قريته وفي شارعه وداخل بيته؟! ومتي تنتهي التصريحات الرسمية الوردية لخداع الناس؟ في العاشرة مساء السبت 9/1 وفي برنامج «العاشرة مساء» تماسكت ببراعة مني الشاذلي وهي تستمتع لتصريحات محافظ قنا، كأن لا مصيبة ولا كارثة ولا دماء سالت ومازالت ولا عجز أمني ولا سقوط مدو لسيادة الدولة، وكأن الناس تبالغ وتكذب علي الله فيما ينعم به المواطنون هناك من أمن وأمان، بينما صباح الأحد 10/1 نشرت أخبار تجدد المصادمات واحتراق 6 منازل و16 محلاً وإصابات جديدة بين المواطنين!!!! هل حياة وأمن وطن أهم أم استبداد وتمكين حزب ؟ وهل بعض نواب الحزب الحاكم أصبحوا هم القانون في دوائرهم؟ وهل يفرض بعضهم حمايته من خلال التمسك بتطبيق الإجراءات العرفية ومنع تطبيق القانون علي خارجين عليه؟.. وفرد مظلات الحماية كما في قضايا شهداء العبّارة الغارقة وأكياس الدم الفاسدة وسرطنة أرض مصر وشعبها نعم أم لا؟! ستحددها مسارات ونتائج التحقيقات في الأيام المقبلة، وهل سيتاح الكشف عن أبطال وقضايا جديدة بالفساد ينضمون إلي من سبقوهم أم أن الكشف سيفسد مهرجانات ومخططات التزوير المقبلة؟.. مازال السؤال حياة وأمن وطن أهم أم استبداد وتمكين حزب؟!.. أرجو من كل مصري يملك وثيقة كاشفة عن التواطؤ والفساد السياسي والحزبي الذي يزيد نيران الفتنة الطائفية اشتعالا أن يتقدم بها إلي النائب العام الذي أحيي مبادرته بالانتقال إلي موقع الأحداث في نجع حمادي.. فلولا هذا التدخل العاجل للنائب العام لربما أُحيل الأمر إلي الإجراءات العرفية لإنقاذ قتلة وتعميق الاحتقان الطائفي حتي يحرق مصر كلها ولإسقاط الحصانة عمن يحولون حزباً إلي القانون في مصر وليأتوا من خلال تزوير إرادة الوطن. ألم يكن نواب ينتمون انتماءً حقيقياً لهموم ومشكلات ومطالب واحتياجات أبناء دوائرهم هم أولي جبهات المواجهة وجس النبض الجماهيري وتشخيص وتوفير العلاج تنضم إليهم خطابات مستنيرة دينية وتربوية وتعليمية وإعلامية واجتماعية وثقافية للأسف تحصل كلها الآن صفر المونديال؟.. أليس الفقر والبطالة والأمية وقد أصبحنا الأوائل فيها علي شعوب الأرض بعد أن كان إخناتون أول من فرض قانوناً لمحو الأمية وعقوبة لكل من يتخلي عنها أليس افتقاد العدالة في مقدمة الأسباب التي توفر البيئة الصالحة لتكاثر الجريمة؟.. لقد تساءلت من قبل عن أي نوع من الفقر الذي يدعون أنهم يضعون برامج لمقاومته في ألف قرية، وهل هو الفقر المادي، أم الفقر المعنوي في الإحساس بالقيمة والذات وحقوق الحياة، أم افتقاد الكرامة بهوان واستذلال الفقر، أم فقر الوعي الحضاري والثقافي، أم فقر الوعي بصحيح الدين، أم فقر التعليم والعجز عن اكتساب مهارات التفوق والتنافس لكل من لا يملك الآلاف التي يطلبها التعليم الخاص، أم فقر الإحساس بالوطن وغطاءات أمنه وتأمينه، المتاح فقط عصا الأمن وقواته ومعتقلاته وعار السجن الاحتياطي.. أم فقد القدوة والمثل الأعلي؟.. لن أخوض فيما سمعت من بعض شباب الصعيد!! وماضي نواب وأساليب صعودهم!! من القدوة التي يتمثلها شبابنا الآن؟، هل وزير النهب الإسكاني أو السيد المحرض الذي تبحث عنه الشرطة والنيابة في جريمة نجع حمادي أم القاتل الأجير الذي يتحدي القانون أو ما يُصب في رءوسهم من فتاوي ظالمة وفاسدة وخارجة عن جوهر الدين، أم تعليم حكومي أسقطت عنه التربية والتعليم، أم فراغ عقلي وروحي وثقافي ووطني تعشش في فضاءاته شياطين الهوس والإدمان؟.. إنهم يتصورون أن المأساة انتهت بإرسال تعازيهم القلبية للضحايا وتصريحاتهم النارية عن العقوبات الشديدة التي تنتظر المجرمين لأن الكشف عن المحركين والمحرضين سيفضح صناع المأساة الحقيقيين. الوطن يحترق والدماء تسيل واللحم الواحد يأكل بعضه وجهاز المناعة الوطني ينهار وما عاش عليه المصريون من وسطية وسماحة وسلوكيات حضارية يتآكل. ويبدو أننا أخطأنا في فهم معني البقاء في الحكم حتي الأنفاس الأخيرة، وأن المقصود أنها الأنفاس الأخيرة في صدر آخر مصري من الأعداء والأبعاد والبعيدين عن تحالف السلطة والمال، وأن أي ثمن للبقاء في الحكم سيدفع ولو احتقنت مصر كلها وسالت دماؤها كما تسيل الآن علي الحدود الشماليةالشرقية وفي صعيد مصر واحتقان العطشي والجوعي تحت خطوط الفقر والمرض، وعُلق الشباب كله علي مشانق البطالة بينما أراضيهم وثروات بلادهم توزع هدايا مجانية أو بأسعار رمزية للسادة المسئولين.. انفردت صحيفة «صوت الأمة» 9/1/2010 بنشر قائمة الوزراء والمسئولين الكبار الذين نالوا أنصبة من كنوز سليمان ماذا يمكن أن يغري مسئولاً - أي مسئول - في أن ينافس ألف ليلة وليلة في توزيع كنوز وطن؟ ما الذي يغري كل صاحب نفوذ أن يستقوي بقوانين خاصة به؟ ما الذي أغري قتلة نجع حمادي بارتكاب جريمتهم دون خوف أو مبالاة بعد استبدال القانون بسلطات وسلطان الفساد والخلط بين الدولة والحزب الحاكم؟! ولتقود الوقائع كلها والمحن التي تواجه مصر إلي حدوث تغيير دستوري وسلمي للسلطة أصبح يمثل ضرورة حياة وإنقاذاً وإيقافاً لمزيد من الانهيار والدم واشتعال الحرائق وتمزيق النسيج الوطني وتوفيراً لأبعد بكثير عما كان يحلم به ويستطيعه أعداؤها لها وما تمثله دعوات جبهات المواجهة الوطنية، وقد أشرت في أكثر من مقال سابق إلي العديد من أسمائها وتوجهاتها ووسائل الإنقاذ التي تحملها وإلي مواقعها الإلكترونية وعناوينها البريدية، ومنها «مصر ضد التوريث»، و«مصريون من أجل انتخابات حرة»، و«صوتي مطلبي»، استخدم عناوينهم الإلكترونية وادخل علي مواقعهم ووقع أو أرسل مشاركتك بريدياً مع تسجيل الرقم القومي لإعلان أن الإنقاذ والتغيير مطلب لكل مصري يدرك حجم الأخطار التي تتهدد بلاده وليصبح ثمن البقاء في الحكم استرداد المقومات الحضارية والثقافية والإنسانية وسيادة العدالة وحقوق المواطنة دون تفرقة عقيدة أو حزب أو سلطان فساد واستبداد وبرعاية نواب ومجالس نيابية تأتي بها انتخابات محررة من التزوير يعرفون كيف يحترمون القانون وسيادة الشعب. عزاء لكل بيت مسيحي سكنه الحزن بدلاً من فرحة العيد، وعزاء لنا جميعا فالمصيبة واحدة والمصاب وطن. هل إسرائيل فوق القانون وأحكام القضاء المصري؟! ما أعرفه إن لم أكن مخطئة أن هناك حكماً لقضائنا المحترم يمنع إقامة مولد أبو حصيرة.. كيف سمحت السلطات المصرية بهذا المولد وتجاوزت رفض المواطنين وسيادة القضاء؟! أم أن إقامة مولد أبو حصيرة أيضاً من أوراق البقاء في الحكم؟!