إجازة مدفوعة الأجر.. موعد آخر عطلة رسمية خلال عام 2025    مدبولي يفاجئ طالبات المنوفية بسؤال عن المناهج والكتب الدراسية    خبير مصرفي: تراجع التضخم قد يدفع المركزي لتخفيض أسعار الفائدة 2% | خاص    رئيس الوزراء يطلع على الموقف التنفيذي للخطة الاستثمارية لمحافظة المنوفية    السياحة تشارك في معرض Tourism EXPO 2025 باليابان    هشام النجار يكتب : لا بديل عن مصر.. السيسي وضمانة العبور إلى سلام عادل    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    المؤتمر: تقدير ترامب للسيسي يعكس نجاح السياسة الخارجية المصرية    الأمم المتحدة: رغم قرار مجلس الأمن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يتسارع في الأرض الفلسطينية المحتلة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    تشكيل ليفربول المتوقع أمام جالطة سراي.. محمد صلاح أساسيًا    طقس السعودية اليوم.. رياح مغبرة وأمطار رعدية على هذه المناطق    قرار بشأن دعوى تعويض أسرة حبيبة الشماع 100 مليون جنيه ضد شركة توصيل شهيرة    ضبط 565 بطاقة تموينية داخل مخبز وتحرير 206 محاضر    مصرع تاجر مخدرات في حملة أمنية بقنا    ضبط 97 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط المتهمين بغسل 200 مليون جنيه متحصلات القرصنة على القنوات الفضائية    الرئيس يشيد بدور شبكة الآغا خان في التنمية المستدامة والحفاظ على الإرث الإسلامي    انتهاء الخلاف بين أحمد العوضي وبيومي فؤاد.. اعرف التفاصيل    مدبولي يستفسر من المواطنين عن جودة الخدمات الطبية    مجلس الشيوخ ينعقد الخميس 2 أكتوبر و17 أكتوبر نهاية الفصل التشريعي    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع اللجنة الدائمة للإشراف على منظومة عمل الرائدات الاجتماعيات    نائب وزير التربية والتعليم يفتتح معرض منتجات التعليم الفني بالعاصمة الإدارية    وزير الاتصالات: «المصرية للاتصالات» ركيزة أساسية للتحول الرقمي في مصر    رئيسة المفوضية الأوروبية ترحب بخطة ترامب لإنهاء الحرب فى غزة    160 ألف سلة غذائية.. تفاصيل قافلة "زاد العزة" ال44 من الهلال الأحمر لقطاع غزة    التخطيط: الناتج المحلى الإجمالى لمصر يُسجّل نموا 5% بالرُبع الرابع من 24/2025    رسوماتك جميلة.. حوار ودى بين رئيس الوزراء وفتاة من ذوى الهمم بالمنوفية    جورج كلونى يثير القلق حول حالته الصحية.. والطبيب: هناك مشكلات أكثر خطورة    "السادات والمعركة".. على "الوثائقية" بالتزامن مع الذكرى 52 لانتصارات أكتوبر    من الإمارات إلى السعودية.. الصحافة العربية تُشيد بانتصار الأهلي على الزمالك في القمة 131    حسين الشحات: تعاهدنا على الفوز بالقمة.. وجميع اللاعبين يستحقون جائزة رجل المباراة    النيابة تصطحب عاملا قتل صديقه بمدينة نصر لتمثيل جريمته    نقل 8 مصابين لمستشفى أكتوبر إثر انقلاب سيارة بطريق القاهرة – الفيوم الصحراوي    الحكومة الإيطالية تدعم خطة ترامب للسلام في غزة    ختام فعاليات التدريب البحرى المشترك المصري التركي «بحر الصداقة - 2025»    وكيل اقتصادية النواب يطرح مقترحات للقضاء على ظاهرة عجز المعلمين    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر    رئيس الوزراء يتفقد وحدة المكتبة المتنقلة بقرية شمّا بمركز أشمون    آمال ماهر تفتتح الدورة ال33 لمهرجان الموسيقى العربية بحفل مميز    مواعيد مباريات الثلاثاء 30 سبتمبر - مصر في كأس العالم للشباب.. ودوري أبطال أوروبا    الضغط الخفي لمرض السكري على قلبك وكيفية الوقاية منه    مجدي طلبة: كوكا نجح في تحجيم خطورة بيزيرا.. وعودة الشحات أبرز مكاسب القمة للأهلي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة قنا    الأهلي يعلن إصابة طاهر محمد طاهر في مباراة الزمالك    رويترز: من المرجح أن يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع الخميس المقبل    رئيس مجلس الدولة الصيني: مستعدون لمواصلة التنسيق الاستراتيجي مع كوريا الشمالية    ما اكتفتش بالحضور متأخرة، شاهد ماذا فعلت ملك زاهر في العرض الخاص لمسلسل شقيقتها "ولد وبنت وشايب"    لديه الحلول، ما شروط زيدان لتدريب مانشستر يونايتد؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة الأقصر    سر بسيط من الطبيعة هيساعدك في تنظيم سكر الدم وتعزيز الطاقة    في مواجهة مع أفكار الأسرة التقليدية.. حظك اليوم برج الدلو 30 سبتمبر    وزير الري الأسبق: إثيوبيا مررت 5 مليارات متر مكعب من سد النهضة خلال الأسبوع الماضي    راحة فورية وطويلة المدى.. 7 أطعمة تخلص من الإمساك    غير الحمل.. 7 أسباب لانقطاع الدورة الشهرية    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الثلاثاء 30سبتمبر2025 في المنيا    عضو مركز الأزهر: الزكاة طهارة للنفس والمال وعقوبة مانعها شديدة    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفيق حبيب يكتب : الجماعة «المحظورة سابقاً»
نشر في الدستور الأصلي يوم 11 - 09 - 2010

أثار مسلسل الجماعة جدلاً واسعاً، جعل جماعة الإخوان المسلمين حاضرة في المشهد السياسي قبيل الانتخابات البرلمانية بقوة، وهو حضور اجتماعي وسياسي، بين مؤيد ومعارض لها. وككل التيارات الفاعلة والمؤثرة، نجد لجماعة الإخوان المسلمين مؤيدين لها ولمشروعها، ومؤيدين لمشروعها دون تأييد الجماعة وتنظيمها، ومعارضين لها ولمشروعها. وهي حالة تتسم بالحيوية والطبيعية، تجعل الجماعة حركة فاعلة في الشارع، لها إيجابيات وسلبيات، وتحقق انتصارات وإخفاقات. هكذا أصبحت الجماعة حاضرة في مسلسل رمضاني، جعل اسم الجماعة يتردد في وسائل الإعلام لتصبح مادة النقاش الرمضاني. وغاب اسم المحظورة، فالمسلسل جعل لجماعة الإخوان المسلمين اسم شهرة جديداً، وهو «الجماعة».
ولكن المسلسل جاء وسط مشهد سياسي، وفي قلب خصومة سياسية محتدمة بين النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، أي الجماعة. وكل الجدل المثار حول المسلسل، أوضح حقيقة أن المؤلف الأستاذ وحيد حامد، له موقف من التيار الإسلامي، وهو موقف لم يخفه من قبل، ومن المتوقع أن يقدم المسلسل من خلال موقفه الفكري، ولا يفترض أو يتوقع أن يقدم عملا موضوعيا بعيدا عن موقفه، يمكن أن ينتج صورة تخالف تصوراته الشخصية. أما عرض المسلسل علي شاشات التليفزيون الحكومي، فقد كان كاشفا عن تحيز المسلسل ضد الجماعة وضد حقيقتها التاريخية، لأن التليفزيون الحكومي لا يمكن أن يقدم حقيقة الجماعة، بعيدا عن خصومة النظام الحاكم معها، ولم نعرف عن خصم سياسي يقدم معارضيه بموضوعية ويعرض رؤيتهم وحقيقتهم للناس، ويتطوع بنشر حقيقة تاريخهم نيابة عنهم. لذا أصبح تحيز المؤلف ضد التيار الذي تنتمي له الجماعة، وتحيز وسيلة النشر الأساسية وهي التليفزيون الحكومي ضد الجماعة، سببا كافيا للقول بأن المسلسل جاء لا ليعرض تاريخ الجماعة، بل ليعرض رؤية مخاصمة لها، تفسر تاريخها حسب تحيزها السياسي.
والمشكلة الأولي في هذا العمل، تتعلق بمدي إمكانية وضع التفسيرات السياسية علي لسان أبطال الحدث التاريخي، حتي يقدم البطل نفسه دليل إدانته التي يحتاج لها الخصم السياسي حتي يثبت موقفه منه، أو حتي يحقق انتصارات سياسية عليه. ففي المسلسل مشاهد من التاريخ، أضيفت لها تعبيرات وكلمات لتدين صاحبها، وأعيد ترتيب الحدث أو تصويره حتي يحمل إدانة للجماعة من داخل تصرفات وكلمات قيادتها وأعضائها. فأصبح النقد الذي يراد توجيهه للجماعة، ينطق به البطل نفسه، أو حسن البنا مؤسس ومرشد الجماعة الأول. وغابت معايير مهمة في تناول التاريخ، فالحدث لا يخضع لرأي المؤلف، بل يخضع لما هو مسجل تاريخيا، بعيدا عن الآراء والمواقف السياسية، ولكن مسلسل الجماعة جاء كعمل سياسي في قالب فني، له أهداف سياسية واضحة.
والمشكلة الثانية في مسلسل الجماعة، هي غلبة استخدام الإعلام من النخبة الحاكمة والنخب العلمانية المعارضة للمشروع الإسلامي، بدرجة جعلت البعض يتصور أن الإعلام قادر علي خلق الحقيقة أو تغييرها أو تشويهها. فأصبحت اللعبة السياسية هي لعبة إعلام في المقاوم الأول. وهو تصور خاطئ، لأنه يغلب ما يحدث في بيئات أخري مثل الغرب، حيث يسود الإعلام ويخلق تصورات الناس. وحيث تغلب صورة المشاهد الجالس أمام التليفزيون مستسلما لما يشاهد، لدرجة تجعل الإعلام هو صانع الرأي العام الأول. ولكن الوضع في المجتمع المصري، مثل غالب المجتمعات العربية والإسلامية، يختلف عن ذلك. حيث إن صانع الحقيقة هو الواقع، وهو الرأي السائد بين الناس. ووسيلة الإعلام الأولي، والتي تحظي بأكبر درجة تأثير في المجتمعات العربية والإسلامية، أي المجتمعات التقليدية المحافظة، هي شبكة العلاقات الاجتماعية. فالرأي الذي ينبع من المعاشرة والمعرفة المباشرة، والذي يتم نقله بين الناس، من خلال شبكات العلاقات الاجتماعية والتي تستند علي قواعد الثقة، هو الذي يكتسب مصداقية بين الناس. والناس التي تعرف الجماعة وتعاشر أعضاءها وتتعامل معهم، تعرف حقيقتهم، سواء كانت تؤيدهم أو تعارضهم، ولا تحتاج لمن يقول لها ما الحقيقة. وهنا خطأ إعلامي يتكرر من قبل النخبة الحاكمة، لأنها تحاول صنع الواقع إعلاميا بصورة تختلف عن الواقع الفعلي، وتتصور أن الناس يمكن أن تصدق هذا. وهذا الخطأ يتكرر مرة أخري مع الجماعة، حيث يحاول المسلسل تقديم صورة لحسن البنا، تختلف عن الحقيقة بشهادة الشهود والتاريخ المسجل، بل ومعظم المراجع التي استخدمت في المسلسل أيضا.
والمشكلة الثالثة هي الطريقة التي قدم بها حسن البنا، والكيفية التي أريد بها لصق تهم التطرف والعنف والانشغال بالزعامة والمكاسب السياسية، فهذا الأسلوب يعني أن الخصومة التاريخية بين النظام والجماعة، تتغلب حتي علي أهمية وضع شخصية بحجم حسن البنا في مكانها التاريخي المناسب لها. فحسن البنا يمثل علامة في التاريخ المصري، حيث جعل لمصر دورا محوريا في العالم الإسلامي، وأصبح من ضمن القوي الناعمة لمصر، التي ترفع وضعها الريادي، في وقت غاب التأثير الريادي لمصر علي يد النخبة الحاكمة. ولكن خصومة المؤلف والمسلسل لم تتوقف علي الجيل الراهن، بل امتدت للتاريخ، فجعلت التاريخ جزءا من خصومات السياسة، وهو عادة تكررت مع كل الأنظمة الحاكمة بعد ثورة يوليو، حيث بات التاريخ ضحية لخصومات النخبة الحاكمة.
والمشكلة الرابعة تتمثل في عدم القدرة علي تقديم الجماعة علي حقيقتها ونقدها، وتلك مشكلة أساسية في كل الحملات الحكومية، أو حملات النخب العلمانية. صحيح أن بعض السياسة لا تعرف الأخلاق، وتبرر كل الوسائل في الخصومة السياسية، ولكن قدرة أي طرف علي هزيمة خصم ترتبط بقدرته علي تقديم حقيقة هذا الخصم ونقدها، لأنه إذا نجح في تقديم صورة خصمه الحقيقية وأقنع الناس بالبعد عنه، عندئذ يكون قد حقق انتصارا عليه. ولكن تشويه صورة الخصم ثم نقده، يؤدي إلي رفض بعض الناس لتلك الصورة المشوهة، ولكن موقفهم يتغير بمجرد معرفتهم بالصورة الحقيقية، كما أن معرفتهم بالحقيقة تظهر حقيقة من خدعهم وشوه صورة خصمه علي خلاف الواقع. وكلما فشل خصوم الجماعة في عرض صورتها بدون تزوير، وإقناع الناس بعدم تأييدها، اتضح أن صورة الجماعة في حد ذاتها جاذبة للجماهير، وأن خصوم الجماعة يشوهون صورتها حتي لا تعرف الجماهير حقيقتهم ويقبل الكثير منهم علي تأييد الجماعة.
والمشكلة الخامسة تتمثل في البديل، ففي الهجوم علي الجماعة في الأعمال الفنية، نجد أحيانا هجوما علي النظام، فهو ليس البديل المناسب، ولكن صورة البديل تظل حائرة في تلك الأعمال. فكل عمل سوف يقدم البديل في رؤية إسلامية معتدلة، سوف يجد نفسه يروج لمشروع الجماعة، حتي وإن لم يروج للجماعة نفسها. والغالب أن أي ترويج للمشروع الإسلامي، حتي وإن كان بتصورات تختلف عن تصورات الجماعة، يعد ترويجا لمشروع الجماعة ضمنا، وتقوية لجماهير التيار الإسلامي. لذا نجد أن البديل الذي يظهر خجلا أمام الصورة المشوهة للجماعة ولكل التيار الإسلامي، ليس إلا التحرر بالمعني الليبرالي. فتظهر الحرية الفردية، والتحرر من قيود التدين الجامد، حتي نصل للرسالة الواضحة للبديل، فنجد أنه التحرر علي النمط الغربي، والخروج من التقاليد وحكم الدين، ويصبح الفهم المستنير للدين، هو الفهم الذي لا يعيق حرية الفرد ويسمح له بكامل الحرية، فيصبح الدين شأنا فرديا، وليس للمجتمع علاقة به، حتي يتحرر نظام المجتمع من الدين. وهنا تفشل كل رسائل تشويه الجماعة، عندما يتضح أن البديل هو الخروج من النمط الشرقي المتدين المحافظ، الذي ظل النموذج المميز للحضارة العربية الإسلامية، فتصبح الحرية الشخصية أولا وقبل الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.