هكذا تحولت كاميليا إلي حرب دينية. المسلمون يريدونها بعد أن أسلمت ووزعت صورها ترتدي الخمار. والمسيحيون يدافعون عنها بفيديو مصور تعلن فيه الولاء والطاعة للكنيسة والبابا والعائلة. هذه نهاية متوقعة لشحن الطوائف المنتعش في ظل اللعب علي ثقافة القطيع. الحرب ليست دينية، ولكنها سباق علي تحريك القطيع، كل قبيلة تدافع عن نفسها علي حساب كاميليا. كاميليا لها قيمة لأنها رمز المنافسة. لا قيمة لها في حد ذاتها. حروب الصور انتهكت خصوصية كاميليا، كما انتهكت من قبل خصوصية عائلة الدكتور البرادعي. لم ينتبه احد إلي أن ما حدث للصور العائلية ليست فضيحة للبرادعي، ولكنها فضيحة للصوص الخصوصية وللمجتمع الذي سمح بانتهاك الحرية الشخصية إلي هذا الحد المهين. هل من العيب أن ترتدي المايوه؟ هل من حق أحد أن يمنعك عن شرب الخمور؟ من يمثل الله ليحاسب أحداً أو يتهم أحداً في أخلاقه لأنه لا يعيش مثله أو يفعل مثله؟ هناك من يلعب في الخفاء لتهييج القطيع. يبحث لهم عن عدو.. صيد يتحمسون لالتهامه. هكذا فإن كاميليا لم تعد إنساناً لها الحق في اختيار دينها وزوجها..ولكنها فرد متنازع عليه من قبيلتين. الدفاع عن الدين قيمة سامية، لكن لا معني أبداً لانتهاك قيم أخري سامية مثل الحقوق الشخصية، وحرية الأفراد في اختيار الحياة. وكما قلت من قبل وفي لحظة الاختفاء الأول :كاميليا هجرت بيت زوجها راعي كنيسة دير مواس بالمنيا(صعيد مصر) إلي بيت قريبتها في القاهرة. لم تهرب ولم يخطفها فرسان القبيلة المنافسة، ولم تكن تحتاج إلي تدخل الرب لتعود إلي القطيع. لكنها عادت بالإكراه. هكذا بدت رسالة البابا وكهنة الكنيسة واضحة: إنها مريضة نفسياً. هذا ليس استنتاجاً.. لكنه مصدر كنسي رفيع كشف في الصحف " خطة الكنيسة" في الإعلان عن استعراض عودة الخروف الضال، وحبسها في الدير لأسباب نفسية. إنها "فاشية " من نوع خاص، الجماعة فيها تقهر الفرد وتقمع حريتها، وتشاركها الدولة بكل أجهزها وجبروتها في طقس التسليم . "لا نريد مشاكل " كلمة السر بين أجهزة تقوم بدور البطولة في عملية «التسليم». لا يفكر أحد في المرأة. وهم يقررون أن الحل للخروج من الأزمة هو «التسليم» للكنيسة. كيف يقبل المجتمع الحديث تسليم امرأة إلي مؤسسة ( عائلة، كنيسة، جماعة دينية) هربت منها؟ «التسليم» تعبير متخلّف، مهين للإنسانية ومهين لكل من شارك في العملية: البابا والدولة والوسطاء.لا مصلحة لأحد منهم في تغيير الوضع التعس، الذي قاد امرأة متعلمة للتمرد علي حياتها. إذ فجأة وجدت نفسها مثل سبايا عصر الجواري يجري التفاوض عليها دون استشارتها. الاستسلام لفاشية الجماعات الصغيرة قدر الضعفاء، والقطيع، والرمز الكبير لشعورهم بالانتماء إلي "شيء كبير " يخلصهم من الشعور بالدونية والعجز . وهنا لعبة البطاركة، العواجيز، الباحثين عن سلطة لا حدود لها، ويتقاذفون بالقطعان البشرية في لعبة بلياردو يعرف كل بطريرك موقعه، وكيف يقذف كرته إلي الحفرة. كتبت هذا ولم أتوقع أن تكمل اللعبة إلي الآخر. لكن يبدو أن مناخ البحث عن فريسة، دفع اللعبة إلي الاكتمال.. ورغم أن خطة فضح البرداعي لم تنجح سوي بنسبة ضئيلة، فإن لعبة كاميليا مازالت في طريقها إلي الاشتعال الزائد. هل القوي اليقظة في المجتمع غافلة عن خطورة ثقافة القطيع؟ أم إنها عاجزة عن نشر ثقافة مضادة للقطيع؟ لن تتغير مصر بالذهاب إلي آخر تلك الحروب الهستيرية، ستتغير ربما إذا احترمت الدولة والمجتمع معاً الفرد باعتباره كياناً يستحق حياة كريمة يختارها.. هذه قاعدة الديمقراطية الأولي.