عرفت الدكتور زقزوق- وزير الأوقاف- منذ أكثر من عشرين عاماً، وكلانا يقوم بالتدريس في جامعة قطر. يوم عرفته رأيت فيه الأستاذ الجامعي الذي يدعو إلي خطاب إسلامي مستنير، وعلي الصعيد الإنساني كان الرجل يبدو مبالغاً في التعامل المهذب مع الجميع. وعندما عين الرجل وزيراً للأوقاف استبشرت خيراً وتصورت أن هذه الوزارة المعنية بالخطاب الديني في مساجد مصر سوف تشهد تطوراً نوعياً يفتح الأبواب لخطاب ديني محترم ينطق بكلمة الحق، ويفتح أبواب التنوير الموصدة بركام التخلف والتعصب، ولا يسمح بأن تكون كلمة السلطان هي العليا إذا تعارضت مع صحيح الإسلام. ولم يمر وقت طويل حتي أقنعتني تصرفات الدكتور زقزوق بأن كل ما تصورته لم يكن أكثر من أضغاث أحلام. فقد سلم الدكتور زقزوق أمر وزارة الأوقاف خاصة في ساحة الخطاب الديني لمباحث أمن الدولة، ليصبح ضباطها هم أصحاب الكلمة في توجيه الخطاب الديني. ووضع المعسكرات التي تقيمها الوزارة للشباب تحت إمرة حزب الحكومة لتكون ساحة دعاية صارخة لسياسات نظام الحكم وحزبه، وأصدر سيادته الفتاوي التي ترضي الحاكم مثل فتواه الشهيرة بضرورة زيارة المسلمين للقدس المحتلة. ورغم استنكار كل الشرفاء لهذه الدعوة فقد أصر سيادته علي دعوته هذه التي رحبت بها الدوائر الصهيونية، وامتدحه غلاة المتعصبين الصهاينة!! وكانت ردود الرجل علي الانتقادات الموضوعية التي وجهت لهذه الدعوة ردوداً متشنجة. وبدا واضحاً من مجمل تصرفات وقرارات الرجل أن عينيه دائماً كانت ترقب رد فعل القيادة السياسية قبل أي شيء، وأن الرغبة القوية في الحفاظ علي كرسي الوزارة هي البوصلة التي تحدد له اتجاه القرارات. وتحولت وزارة الأوقاف إلي موقع متقدم للحزب الوطني يدافع عن سياسات جائرة بل عن فساد فاضح يتفشي في هذا الحزب مستخدماً «الخطاب الديني» كغطاء لهذا الدفاع. ولعل قراره الشهير بمنع المواطنين من استخدام المساجد للتعبير السلمي عن احتجاجهم علي الفساد وعلي التوجهات السياسية التي تلحق أبلغ الضرر بالوطن والمواطنين، وحده يكشف حرص الدكتور زقزوق علي أن يحظي بالرضا السامي للحاكم حتي وإن كان هذا الرضا علي حساب المبادئ الإسلامية المستقرة التي تكفل للمسلم حقه في التعبير الحر عن رأيه في بيوت الله. وظلت خيبة أملي في الرجل في إطار سياساته العامة لكنني لم أتصور أن هذا التغيير يمتد إلي السلوك الشخصي للرجل الذي عهدته- رغم الاتجاهات التي أشرت إليها- ملتزماً بالتعامل المهذب مع الآخرين. وأخيراً شاهدت الرجل يهاجم إنسانة أعرف عملها وأخلاقها وهي الدكتورة هاجر سعد الدين - الرئيس السابق لإذاعة القرآن الكريم - فقد حرص الرجل علي أن يهين هذه المواطنة التي تحظي باحترام عميق من كل من يعرفها فيمن عليها بأن وزارته كرمتها، ومع ذلك «عطلت» مشروع سيادته الذي يباهي به، وهو ما سماه سيادته «الأذان الموحد»!! استغل الوزير مكانته التي تسمح له بأن يتحدث في برامج الإذاعة والتليفزيون وفي الندوات العامة فأخذ يكرر هذا الاتهام للدكتورة هاجر سعد الدين. ولو أن ما ذكره صحيح لما كان ذلك مبرراً لهذا الهجوم الشخصي وهو يعلم أن منصبه لن يسمح بإعطاء الدكتورة هاجر فرصة لتوضيح موقفها. ولأنني أعرف الدكتورة هاجر وأعرف الدكتور زقزوق وأعرف بطبيعة عملي وخبرتي أساليب تنفيذ «الأذان الموحد» فقد رأيت أن أستجلي الحقيقة، وعلمت أن الدكتورة هاجر ارتكبت جريمة بشعة لأنها تصورت أن الأمانة تحتم عليها أن تقول كلمة حق في الطريقة التي أراد الدكتور زقزوق أن ينفذ بها قراره بتوحيد الأذان. رأت الدكتورة هاجر أن يتم رفع الأذان بتسجيلات المقرئين العظام أمثال الشيخ رفعت والشعشاعي وعبدالباسط عبدالصمد والحصري والفشني وغيرهم من المقرئين المتميزين وتسجيلاتهم للأذان محفوظة بمكتبة الإذاعة، وغضب الوزير الهمام الذي أراد أن يفرض بعض «الأصوات»، وأقر المسئولون باتحاد الإذاعة والتليفزيون وجهة نظر الدكتورة هاجر وهي صاحبة الاختصاص الذي يجب أن يحترم في مثل هذا الموضوع. يا دكتور زقزوق شهادة التكريم التي منحتها وزارتكم للدكتورة هاجر لا تعلي من قدرها، ولكن أن تقبل مواطنة مشهود لها من الجميع بأنها حققت نقلة نوعية في إذاعة القرآن الكريم وفي الخطاب الديني بالبرامج الدينية بالإذاعة هو الذي يشرف وزارتكم. الأكثر بشاعة أن يترجم الدكتور زقزوق خصومته إلي قرار إلغاء عضوية الدكتورة هاجر من المجلس الأعلي للشئون الإسلامية التي كانت عضواً فيه قبل عضوية الدكتور زقزوق بسنوات.. يا دكتور زقزوق أنت خير من يعرف موقف الإسلام من اللدد في الخصومة ومن استغلال السلطة لظلم الآخر.. عيب يا دكتور زقزوق.