فقراء الواقع يعيشون في شقق 26 مترا.. فقراء الدراما يعيشون في 200 متر! في «زهرة وأزواجها الخمسة» حجاج عبد العظيم يعيش بشقة بنصف مليون جنيه علي الأقل.. ويبيع أخته مقابل 30 ألف جنيه! في الوقت الذي باعت فيه بعض الأسر أثاث بيتها، بعد أن سلمتهم الحكومة شققا مساحتها 26 متراَ لتعيش فيها، فأصبح أثاثهم القديم الذين كانوا يضعونه في بيوتهم لا مكان له، بعد أن انهارت بيوتهم القديمة علي رءوسهم ورءوس أحبائهم، ليتكدس جميع أفراد الأسرة في مساحة غير آدمية للمعيشة، نجد صناع الدراما بعيدين تماما عن هذا الواقع، ولم يرضوا بأن يتكدسوا جميعاً داخل شقة ضيقة للتصوير، فهم يفكرون بمنطق: أين سنضع الكاميرا وأين سنستريح! وإذا كان البيت موقع التصوير ضيقا، فسيكون به طقم أنتريه واحد وأماكن محدودة تراها الكاميرا، والتي هي عين المشاهد، فرأينا في المسلسلات مساحات مهولة للشقق ذهبت بعين المشاهد إلي رحلة خيالية بعيدة عن الواقع، والأغرب من ذلك، هو أن الشقق لا يكتفون فقط بأن تكون ذات مساحة كبيرة، بل إن ديكوراتها تدل علي أن مهندس ديكور قد زار هذا المكان! فنجد في بيت من المفروض أنه بيت بسيط لأسرة متوسطة كبيت «هند صبري» التي لم تهتم هي شخصيا بملابسها في المسلسل كفتاة من أسرة متوسطة، في مسلسل «عايزة أتجوز».. بيت به ديكورات ذات ذوق عال جداَ في شقة ذات مساحة كبيرة، وحتي في أماكن الإضاءة إذ كان هناك ديكور بالإضاءة، وفي اللوحات المعلقة علي الحوائط وتناسقها مع الإضاءة وألوان الحوائط، ومن المفروض أن البيت في منطقة ليست بمنطقة راقية، وعندما تذكر مهندس ديكور المسلسل ذلك، وضع بابا قديما للشقة! يا سلام! لقد غيروا ديكور الشقة كله وتركوا هذا الباب الذي أتوا به من فيلم «بين القصرين»! وفي مسلسل «أغلي من حياتي» ل«محمد فؤاد»، فبالرغم من فقر الأسرة التي يعمل «محمد فؤاد» من أجلها سائق تاكسي وعامل بمصنع تطريز، فإن مساحة شقتهم لا تعبر عن ذلك مطلقاً إذ إنه في مشهد إفطار الأسرة في الصباح تجد حركتهم في الشقة أشبه بالتنزه من وسع المساحة! وفي مسلسل «العار» تجد أن هناك كرسيين «أنتريه» في غرفة نوم «مصطفي شعبان» حتي يستطيعون تصوير مشهد ل«مصطفي شعبان» وهو يتحدث مع زوجته «درة» في غرفة النوم! في الشقة التي تجد بها العديد من الديكورات أيضاَ وتغيير في لون حوائط المنزل إذ إن كل ركن له لون حسب الأثاث الموجود به في قمة الذوق لا يستطيع فعلها سوي مهندس ديكور! وفي «زهرة وأزواجها الخمسة» نجد «خليل» شقيق «زهرة» والذي يجسد دوره «حجاج عبد العظيم» يسكن في بيت مساحته علي الأقل 250 متراً وبه ديكورات وأثاث علي الأقل بمائة وخمسين ألف جنيه، ومع ذلك يتذلل ل«حسن يوسف» أو «الحاج أبو اليسر»، ويقرر أن يبيع سر أخته ويخبره عن مكان اختفائها مقابل ثلاثين ألف جنيه! وفي مسلسل «نص أنا ونص هوا» نجد أن فكرة المسلسل قائمة علي رجل وزوجته قررا الانفصال ولكنهما لا يمتلكان المال الكافي لشراء مسكن منفصل لكل منهما، فيقرران اقتسام بيتهما الحالي، فننظر إلي البيت، لنجد أنه بيت واسع جداً تقدر مساحته بما لا يقل عن 300 متر، ومقسم بذوق عال إلي كذا طقم «أنتريه» و«صالون».. أي أنهما لو باعا بيتهما الحالي لاستطاعا شراء بيتين صغيرين بسهولة! صحيح أن الموضوع به جانب فني في أن الكاميرا تحتاج مساحة من أجل التصويروأماكن وضع الإضاءة والكاميرات ومعدات التصوير، وأيضاَ عندما يكون موقع التصوير به أماكن محدودة للتصوير، فإن ذلك سيسبب الملل لعين المشاهد، ولكن لابد أن تكون هناك واقعية فيما يراه المشاهد، فلن يقتنع المشاهد ببطل فقير يعيش في شقة 200 متر وديكورات بآلاف الجنيهات، وعدم استطاعة تجسيد فقره أو وضعه الاجتماعي في بيته هو «إفلاس إبداعي» واضح ورؤية ناقصة، وربما أن المسلسل الوحيد الذي احترم من يشاهدونه بتقديم صورة واقعية لهم هو «الحارة» ومصمم ديكوره «إسلام يوسف»، إذ صمم «يوسف» ديكورا أدخلنا بشدة في واقع «الحارة» وضيق بيوتها وطبيعة الأثاث الموجود بها مع إضاءة خافتة تتناسب مع سوء وضع أبطالها وحالتهم الاجتماعية، فخرجت في النهاية صورة واقعية ل«الحارة».. صورة فنية تستحق الإشادة بصناعها وبمصمم الديكور «إسلام يوسف» الذي وعي لحقيقة أن مصمم الديكور وظيفته ليست إخراج صورة «جميلة»، ولكنه موجود من أجل صنع صورة «واقعية»! وما نراه في معظم المسلسلات صورة غير واقعية علي الإطلاق، تهدف إلي «الشياكة» بقدر أكبر مما تهدف إلي «الواقعية»، ونتمني أن يكون سكان شقق ال 26 متراً قد باعوا التليفزيون ضمن الأثاث المباع الذي لم يجدوا له مكانا ضمن المساحة المهولة التي وفرتهما لهم الدولة «26 متراً!!» بدلاً من أن يشعروا بالحسرة من الصورة التي وفرتها لهم الدراما!