لم نعد نعرف فساد مسئولينا داخل أجهزة الدولة إلا من الخارج..عندما تجري إحدي الدول الأجنبية تحقيقا مع شركاتها التي تمتلك فروعا لها في دول أخري منها بلادنا..عندها فقط تتكشف الحقائق وتظهر أثناء تلك التحقيقات كم الرشاوي التي دفعتها الشركات الأجنبية للمسئولين بالدول المتخلفة لإنهاء مصالحهم. أصبحنا لا نفيق من صدمة الكشف عن واقعة رشوة تلقاها أحد مسئولينا الكبار حتي تصدمنا وقائع رشوة أخري.. وربما - بل المؤكد - كانت هناك وقائع رشاوي أخري تشيب لها الولدان إذا عرفناها.. الأصل في الرشوة التي يقدمها المستثمر أو الشركة الأجنبية أنه لا يتم دفعها من جيبها الخاص بل من أموال البلد التي تستثمر فيها. وعندما نعرف أن إحدي الشركات الفنلندية قدمت رشوة مقدارها مائتان وعشرون مليون جنيه لبعض المسئولين المصريين.. بواقع نسبة عشرة بالمائة من إجمالي قيمة الصفقة البالغة ملياران ومائتا مليون جنيه.. فالمؤكد أن مبلغ الرشوة المدفوع لم يكن خصما من أرباح الشركة الفنلندية بل زيادة في قيمة التكلفة التي دفعتها الحكومة المصرية.. وتحديدا دافع الضرائب المصري والذي هو سيادتك وسيادتي. وإذا كانت صفقة رشوة واحدة بلغت قيمتها ما يقرب من ربع مليار جنيه وهذا فقط ما عرفناه..فكم تبلغ قيمة الرشاوي المتبقية والتي لم نعرفها بعد؟.. علما بأن آخر رشوة عرفناها كانت رشوة المرسيدس والتي تلقاها مسئول مصري وبلغت قيمتها حوالي عشرين مليون جنيه..وأيضا لم نعرف رشوة المرسيدس سوي من واشنطن عندما قامت الأجهزة القضائية بها بالتحقيق مع مسئول إحدي الشركات الأمريكية والتي اعترف خلال التحقيقات بتقديمه رشوة لمسئول مصري بارز. ورغم مرور شهور علي تلك الواقعة لكن حتي الآن لم نعرف اسم ومنصب هذا المسئول الذي حصل علي تلك الرشوة.. لكن من المفترض أن نعرف المرتشين المصريين في قضية الرشوة الفنلندية بعد أن أخطرت جهات التحقيق هناك النائب العام المصري بالوقائع والتفاصيل.. وسرعان مابدأ المستشار عبد المجيد محمود التحقيقات حسبما نشرت الشروق.. ونتمني ألا يهرب هذا المسئول المرتشي بجريمته مثلما هرب صاحب رشوة المرسيدس. ومثل سياسة تنويع مصادر السلاح ومصادر الدخل..فإن المرتشين المصريين يتبعون سياسة تنويع مصادر الرشوة وعدم قصرها علي بلد بعينه.. فرأينا الرشوة تأتي مسئولينا من أمريكا وفنلندا وقبلهما ألمانيا في فضيحة شركة (سيمنز) والتي اعترف المدير الإقليمي للشركة بالشرق الأوسط بأنه قام برشوة مسئولين مصريين بارزين في مصر والسعودية.. ورغم ذلك فإن السلطات المصرية لم تحرك ساكنا رغم أن التحقيقات الألمانية قد مضي عليها قرابة العامين.. لكن لاحس ولا خبر.. علما بأن نشاط شركة سيمنز يخترق لدينا قطاعات الطب والدواء والكهرباء فهي أكبر شركة في أوروبا. المؤكد أن ماخفي من هذه الرشاوي عظيم ولا نعرفه إلا بالصدفة البحتة عندما تجري تلك الدول تحقيقاتها.. وغير ذلك تتبع حكوماتنا سياسة (اكتم ع الموضوع) أو (يابخت من قدر وعفي) وعندما تحدثهم عن الفساد الذي طال واستطال في مصر.. ولم يترك ذرة هواء إلا وأفسدها.. ردوا علينا بجملتهم الماسخة بأن الفساد موجود في كل دول العالم. لقد صدقوا فيما قالوه بعد أن وصل فاسدونا وفسادنا إلي مختلف دول العالم ولم يترك مرتشونا دولة إلا وارتشوا منها لكن علي حسابنا ومن جيوبنا.