في تكتم شديد تجري الاستعدادات التي تقوم بها هيئة الآثار بالإسكندرية للحفر أسفل مقابر اليهود بميدان الخرطوم للبحث عن أكبر أثر يمكن اكتشافه، وهو مقبرة الإسكندر الأكبر - باني الإسكندرية - التي أكدت جميع الدراسات أن مقبرته -المصنوعة من جرانيت المرمر - تقع أسفل مقابر اليهود بميدان الخرطوم أو ما يعرف بالحي اللاتيني والمقامة علي مساحة سبعة أفدنة أمام كلية الطب مباشرة. وتأتي السرية الشديدة كمحاولة لتفادي الاعتراض المتوقع من جانب إسرائيل إذا ما قامت هيئة الآثار بالحفر أسفل مقابر اليهود. حيث صدر قرار زاهي حواس - الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار - بضم جميع مقابر اليهود في أنحاء مصر إلي المجلس واعتبارها جزءاً من تراث مصر وتاريخها تمهيدا لأعمال الحفر أسفل مقابر اليهود للبحث عن جثمان الإسكندر الأكبر بحيث يطبق قانون الآثار وقتها علي المقابر تجنبا للهجوم المتوقع من جراء ذلك. وتعتبر مقابر اليهود بميدان الخرطوم واحدة من ثلاث مقابر لليهود بالإسكندرية - الاثنتان الأخرييان بمنطقة الشاطبي - إلا أن مقبرة ميدان الخرطوم تعتبر الأكبر علي الإطلاق وتضم حوالي 20 ألف مقبرة. غير أن المدهش هو أن آخر جثمان تم دفنه بالمقبرة يعود تاريخه إلي عام 1956، حيث لم تستوعب مساحة المقبرة المزيد من الموتي فتم بناء مقبرة أخري بمنطقة الشاطبي تلاها مقبرة ثالثة. وقد كتب علي المقابر الرخام لليهود بالإسكندرية اسم المتوفي وتاريخ وفاته باللغتين الإنجليزية والعبرية مع وضع نجمة داوود بحجم كبير علي المقبرة من الخارج. وبين الحين والآخر يقوم اليهود - عند زيارتهم للإسكندرية - بالذهاب إلي مقابر أجدادهم للصلاة عليهم، ولهذا فإن بعض هذه المقابر تحظي بعناية بالغة حيث تم تجديد رخامها علي نفقة أهل المتوفي حتي إنك لتحسبها من فرط فخامتها وكأنها بنيت للتو، ويذكر أن أحد الإسرائيليين قام بنقل رفاة عمه من مقابر اليهود بالحي اللاتيني إلي إسرائيل بطائرة خاصة، بينما تعاني مقابر أخري إهمالاً جسيمًا يتوقف علي وجود زائرين للموتي من عدمه. ويقوم بحراسة مقابر اليهود بميدان الخرطوم «عم جابر» رجل مصري مسلم، ولد وعاش داخل المقابر مع أسرته، حيث كان والده يقوم بحراسة المقابر، ويعيش في غرفة بدائية داخلها، تزوج وأنجب فيها، ثم تولي ابنه جابر مسئولية حماية المقابر بعد رحيل والده، وعاش في الغرفة البدائية نفسها، وتزوج وأنجب فيها وتعايش مع الحياة داخل مقابر اليهود. وقد أثار اليهود قضية ترميم مقابرهم خلال الفترة التي ترشح فيها فاروق حسني - وزير الثقافة - لليونسكو مستغلين في تلك الفترة رغبة «حسني» الحميمة عدم الدخول في معارك مع اليهود. حيث طالبه بعض أبناء الجالية اليهودية التي كانت تعيش في الإسكندرية بترميم مقابر اليهود بالإسكندرية، وقد تزعم الحركة المطالبة بترميم المقابر المحامي اليهودي المصري «لوسيان بيريتس» الذي أكد لحسني أن المال اللازم لعملية الترميم متوافر .. وفق ما أكدته الصحف الإسرائيلية حينذاك. إلا أن مطالب اليهود بترميم مقابرهم قابلها مطالبات مصرية بتحويل تلك المقابر التي تستقطع مساحة شاسعة من أرقي أحياء المدينة - إلي منتجع سياحي - خاصة أنه لم يعد هناك يهود بالإسكندرية. وهي المطالبات التي قابلتها اعتراضات يهودية بدعوي أن هذه المقابر تضم جثامين عدد من الحاخامات الكبار، أبرزهم الحاخام عمران ناتان - الذي يحرص اليهود كلما أتوا للإسكندرية - علي زيارة قبره وإضاءة الشموع والصلاة عليه. ومن هؤلاء القنصل الإسرائيلي بالإسكندرية - حسن كعبية - الذي يحرص علي الذهاب بانتظام إلي مقابر اليهود بالحي اللاتيني للصلاة علي الحاخام عمران ناتان .