هل قرأت عن «الدولة الرخوة»؟ ...و عن سماتها؟.. وكيف تنتهي بها الأمور ؟...علي العموم فإن «الدولة الرخوة» هو عنوان نظرية العالم الاقتصادي «ميردال» التي استفاض في شرحها وتبسيطها العالم المصري الدكتور «جلال أمين» .. وهي دولة من صفاتها أنها تصدر القوانين ..ولا تطبقها...لأنه في الدولة الرخوة لا تجد من يحترم القانون فالكبار المسيطرون لا يبالون به ..لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه..أما الصغار فيتلقون الرشاوي.. لغض البصر عن مخالفة القانون .. أما الرخص والتصريحات فمعروضة للبيع والقيود لا تفرض إلا لكي يثري البعض من كسرها .. والخروج عليها .والإمضاءات تباع أو توهب للمحاسيب والأقارب والأنصار والعمولات الأجنبية وبدلات السفر والثروات والعمولات والقروض والامتيازات توزع علي أهل السلطة والمقربين منهم .. ففي هذه الدولة الرخوة..يعم الفساد وتنتشر الرشاوي انطلاقاً من السلطة التنفيذية ومروراً بجميع السلطات ..وانتهاءً بأساتذة الجامعات.. وقد استفاض في شرح ذلك كله الدكتور «جلال أمين» في كتبه ومؤلفاته الأخيرة ..حتي إن المرء ليتعجب كيف يصف العالم السويدي «جينار ميردال» الأحوال في دولة كمصر رغم أنه من السويد وليس من باب الشعرية أو المطرية أو الخصوص ... ورغم أنه لم يحصل علي قرض بثلاثة مليارات جنيه لأنه يشارك أهل الحكم في مشروعاته الوهمية ..كما أنه لم يكن له قريب أو نسيب مات علي ظهر العبارة وهو في طريقه لزيارة الأراضي المقدسة.. والتي ألزمت وزارة الداخلية لأسباب داخلية جميع المعتمرين علي استخدامها دون غيرها ...ورغم أن هذا العالم كان سويدياً لا يعرف كيف يبني عقاراً من أربعين طابقاً علي كورنيش النيل دون رخصة ...وكيف يعجز غيره عن بناء عشة «فوق السطوح» إلا بعد استخراج الرخص والمعاينات وتفتيح المخ...رغم كل هذا وذاك فإن العالم السويدي «ميردال» وصف مصر في عصرها المظلم وصفاً «شوارعياً » دقيقاً..والدولة الرخوة يا سادة هي التي فقدت قيمتها بين الدول وفقد المواطنون فيها كرامتهم علي أرضها وخارج أرضها ..وإذا لم ينطبق ذلك علي مصر...فعلي أي من البلاد ينطبق؟!..المصري هو الذي يجلد خارج أرضه..ويسجن خارج أرضه ..ويقتل داخل أرضه..وتحتقره السفارة الألمانية في مصر..فتسلب منه أولاده..وتمكن زوجته الألمانية من السفر بهم إلي ألمانيا في طائرة خاصة...حتي إذا جن جنون الرجل حكمت المحكمة الجنائية عليه بالسجن...والمصري هو الوحيد من أبناء الشعوب البيضاء والصفراء والسوداء الذي تمكن من أن يعود إلي بلاده وهو يركب «نعشاً»..وهو الذي يغرق في البحار وهو يبحث عن عمل ورغم موته يتم توجيه اللوم إلي جثته لأنها لم تتكيف مع الجوع علي أرضها ..وكل المطارات في العالم لها قوانين تحكمها إلا مطار القاهرة الدولي .. الذي له كلمة سر .. فإذا ما قيل له «افتح يا سمسم» فإن «سمسم» يفتح أبوابه علي آخرها..لأن سمسم هذا لا كرامة له ...ولا حدود لجشعه فإذا ما مر بين يديه سارق أموال البنوك..انحني سمسم أمامه..وحتي إذا كان هذا الخارج هو من قتل آلاف المصريين غرقاً بعبارته السوداء..أو هو من استجلب الغذاء المسرطن فإن سمسم يخرجه من قاعة كبار الزوار...فقد باع «سمسم» إرادته وكرامته...وإمكانات سمسم واسعة عريضة وهو "الكل في الكل" ..وتعتبر الدولة الرخوة هي بداية النهاية لأي نظام سياسي وذلك لمن أراد أن يبحث عن الأمل .. فحينما يشتاق الناس إلي دولة الطهارة وتظهر حاجتهم إلي الدولة النقية ودولة الكرامة .. فهم يغضبون..ثم يزمجرون ..ثم يهتفون..ثم يعترضون..ثم يتصرفون تصرف الباحثين عن الحرية والمضحين من أجلها .. والسنة الكونية تقول «إن الفساد الذي يظهر في الحكومات .. هو الذي يذهب بها ..ويقضي عليها..». وبمناسبة الفساد في مصر ..فقد ذهب أحد كبار المسئولين إلي أمريكا ليتعلم كيف يسرق أموال الشعب دون أن يشعر به أحد أو يحاسبه أحد .. فأخذ وزير الاقتصاد الأمريكي يعلمه وهو يشرح له..قائلاً :" انظر إلي هذا الكوبري ..إنه قد تكلف في الميزانية مائة مليون دولار..لكنه في الحقيقة لم يتكلف إلا سبعين مليون دولار.. «ثم ذهب إلي فرنسا .. فعّلمه وزير الاقتصاد الفرنسي فنون السرقة قائلاً .. «انظر إلي هذا المبني..فقد تكلف في الميزانية مائة مليون يورو..بينما هو في الحقيقة قد تكلف ستين مليون يورو فقط ...«فعاد المسئول المصري إلي مصر ثم استقبل الوزير الفرنسي والأمريكي بعد عام.. فقال لهما: «هل تشاهدان ذلك المصنع الكبير» فنظر الوزيران ولم يجدا شيئاً ...ثم نظرا إليه مستغربين !! فأجابهما المسئول «إن هذا المصنع قد تكلف خمسمائة مليون دولار...». وعجبي