السفير الأمريكي السابق في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني اعتبره مجلس الشيوخ الأمريكي مهرطقا، إذ خرج عن الدين الإسرائيلي الأمريكي الحديث، وعوقب بحرمانه من الترشح سفيرًا للولايات المتحدة في تركيا،لأن له سجل سيئ في خدمة القيم الأمريكية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان،...، حصلت «الشروق» (ناشرة الخبر المهم في الصفحة الأولي بتاريخ 20 الجاري) علي صورة من الخطاب الذي أرسله السيناتور برونياك يبرر فيه أسباب رفضه المصادقة علي ترشيح الرئيس أوباما لريتشاردوني سفيرا في تركيا، وذلك لأن ريتشاردوني خدم في مصر في وقت وضعت فيه إدارة الرئيس جورج بوش دعم الجماعات المعارضة (في مصر) علي رأس أولوياتها، إلا أن ريتشاردوني قلل من تأثير هذه الجهود، وخفف من حدتها... حتي أنه قال بالحرف الواحد «في مصر توجد حرية تعبير كتلك التي توجد في الولاياتالمتحدة» !!، ثم طلب السيناتور برونياك أن يطرح علي السفير ريتشاردوني عدة أسئلة، كلها تتعلق بموقفه (أي تقاعسه) عن تسويق ودعم القيم الأمريكية التي ترمي إلي دعم الإصلاح السياسي وبناء مجتمع مدني قوي في مصر (اسما الله !!) انتهت المقتطفات من الخبر المنشور بالعرض بأعلي الصفحة الأولي، والآن نقرأه معا من جديد. أولا: إن أمريكا لها أجندة إصلاح !! في مصر، وهي تهتم بتسويقها للمعارضة، (إن وجدت) بنفس قدر اهتمامها بتسويقها للحكومة. ثانيا: إن أمريكا تود - جدا جدا ! - أن تكون مصر أكثر ديمقراطية وأكثر حرية وأكثر انفتاحا مما هي عليه الآن، علي شرط ألا تهاجم إسرائيل، ليس فقط بجيوشها وعبور سيناء إلي قرب حدودنا الدولية، ولكن ممنوع الهجوم حتي في الصحف: سواء صحف المعارضة أو المؤيدة. ثالثا: علي ذلك يصبح التنافس بين الحكومة والمعارضة هو علي مدي طاعة كل منهما لأمريكا لتنفيذ خططها التي تهدف - بإذن الرئيس الأسمر الجديد - إلي تحرير مصر من الحكم الشمولي وإبداله بحكم ديمقراطي تابع رائع مطيع (ولا مانع من تقبل بعض القذائف الكلامية، بحنيّة كافية) رابعا: يبدو أن السيد ريتشاردوني قد أخذته الجلالة، فسمح لنفسه، ربما أثناء إحدي زياراته لمولد السيد البدوي (سيدي أحمد البدوي، وليس الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد الجديد) أن يفكر باعتباره من محاسيب شيخ العرب السيد، فيكتشف أن مصر بها حرية تعبير كحرية التعبير في أمريكا، فيصرح بذلك، وهذا ما أخذه عليه حرفيا السيناتور برونياك، واعتبره مديحا غير جائز لنظام مبارك القهري، ولم ينتبه السيناتور إلي أن السيد السفير ريتشاردوني ربما قصد وجه الشبه من الناحية الأخري، أي أنه لا يوجد لا هنا ولا هناك حرية تعبير حقيقية، عندنا نتيجة لقهر الحكومة، وفي أمريكا نتيجة لقهر المال وصهاينة اليهود أصحاب المال أيضا، وهو نفس ما حدث لجارودي في فرنسا وهو يذكر حقائق تاريخية ثابتة وأكاديمية وموضوعية عن الهولوكوست لينفي زعم أنه كان مقصوراً علي اليهود بهذا الحجم المعلن: تلك الأسطورة التي فرضت علي التاريخ بقوة الكذب الإعلامي المستمر،والبجاحة المالية الكانيبالية. خامسا: إن مستقبل أي حاكم حليف أو حتي عدو، مثل مستقبل أي مسئول أمريكي لا يتوقف علي كفاءته، أو انتمائه لما هو صالح وطنه والبشر، وإنما علي مدي إيمانه بالدين الأمريكي الجديد وتنفيذ طقوسه. سادسا: إن علي كل من المعارضة والحكومة عندنا أن تتنافسا بكل نشاط وإخلاص في فهم طقوس وعبادات هذا الدين الجديد، ومن يستطيع منهما أن يقدم القرابين أوفي وأجهز علي مذبح هيكل الكنيسة السياسية الأرثوذكسية (الأصولية) الأمريكية، فهو الذي سيحصل علي الجزء الأكبر من كعكة الديمقراطية وشطائر (جاتوه) حقوق الإنسان. وباختصار، فإن أمريكا تدعم المعارضة جدا جدا بشروطها، لتحقيق أهدافها هي (أمريكا)، وفي هذا ما فيه من تلويح برشوة للمعارضة حتي تحسن سماع الكلام، وليس مهما أن تكون المعارضة حمراء، أم خضراء، علمانية أم أصولية، المهم هو الدخول في الدين الأمريكي الجديد، وإلا فهي الهرطقة، فيحرم السفير من الترقي، وتحرم الدول من المعونات، ولا مانع من إبادة استباقية إذا كبرت الهرطقة أو هددت بالتفشي. الهرطقة هي الخروج عن اليقين والثابت والشائع المتفق عليه، وهي تسمي الزندقة في الإسلام، ويعبر عنها بأنه خروج عما هو معلوم في الدين بالضرورة (أي ما هو ثابت ثبوت اليقين، وشائع شيوع الاستعمال العام) ولكن لم تعد الهرطقة مقتصرة علي الخروج علي الدين، بل إنها امتدت لتشمل الخروج عن المقدسات الجديدة، مثل: ديمقراطية أمريكا، ووثائق حقوق الإنسان، والعلم المؤسسي. ولهذا حديث آخر.