نادرا ما نجد عملا دراميا يستحق لقب عمل ملحمي، لكننا نستطيع ونحن مستريحو البال أن نعطي هذه الصفة لمسلسل «شيخ العرب همام» الذي يرتكز في قصته علي حكاية تاريخية جافة يمكن تدريسها في فصول المقاومة في كتب التاريخ، لكن الأحداث التي نتابعها يوميا في هذا المسلسل تحمل عشرات الأبعاد التي جعلت «شيخ العرب همام» عملا رومانسيا، من خلال مشاهد جابر العاشق المتيم لليلة ابنة الشيخ إسماعيل وهو الدور الذي أداه محمود عبد المغني بهدوء وعمق ونضج ليكون «جابر» من أجمل الأدوار التي قدمها خلال مسيرته، كما أن المسلسل يحمل لقب عمل تاريخي عن جدارة من خلال تناوله لصراع شيخ العرب مع المماليك، كذلك هو عمل إنساني بالغ القيمة من خلال تفاصيل حقيقية وممتعة عن علاقة شيخ العرب مع زوجاته وأصدقائه ومن يعملون لديه، وأيضا مع أخيه الشيخ سلام، وهو الدور الذي فاجأنا فيه مدحت تيخة بقدراته علي إراقة دموعنا دون حساب عندما يغمض عينيه تأثرا ليتحول في تلك اللحظة إلي طفل يهم بالبكاء فقط «لو حد داس له علي طرف". المسلسل أيضا يحوي جرعة كوميدية راقية دوما يتسبب فيها يحيي الفخراني بطل العمل الذي يمثل بمزاج رائق وبذوبان تام في الشخصية. حدث في الحلقة العاشرة من المسلسل أن أضحكنا في عز المأساة، حيث ترك إسماعيل ابن عمه ينازع الموت بعد تناوله الهريسة المسمومة، ثم أطبق علي رقبة عيسي ابن عمه أيضا، ورغم أن الحوار بينهما كان جديا، لكنه كان يحمل لمحة من الضحك، خصوصا عندما أنكر عيسي بخوف شديد أنه هو من أحضر الهريسة بعد لحظة فقط من تباهيه بأنه هو من جلبها. الحلقة التي حملت عنوان أغنية جابر التي كتبها الأبنودي «أخاف أقولك تروح تقوله» أكدت أن مؤلف العمل يكتب وهو حقيقي مستوعب جدا لتفاصيل العلاقة بين ورد اليمن وصالحة زوجتي شيخ العرب همام، فهي علاقة واقعية لا تحمل أي مبالغة في الحب أو الكراهية، فهي لا تسير علي وتيرة واحدة.. دائما مرة يتشاجران، وتشعر أنهما يدبران مصائب لبعضهما البعض ومرة أخري تشعر معهما أنهما أختان يرتجفان لو مس إحداهما سوء، هذه المشاعر المتناقضة كانت واضحة جدا في المشاهد التي جمعتهما بعد أن علمت صالحة بتناول أخيها للهريسة السمومة، حيث طلبت من ورد أن تجلس تستريح لكن لا تنسي أيضا أن تطل علي ابنها «تاخد بالها من درويش»، رغم أنها قبلها بدقائق كانت تتمني لها موتا سريعا، وهو المشهد نفسه الذي تمتعنا فيه بأداء الفخراني وهو يأخذ الهريسة من بين يدي صالحة ويصيح: «ارمي النيلة دي»، نفس المشهد احتوي علي إشارة مربكة وهي أن «مياه الورد» التي بعث بها علي بك مع البسبوسة وشربت منها صالحة وورد اليمن تحوي سما هي الأخري بدليل أنه بمجرد أن تناولتها ورد اليمن شعرت بآلام حادة في بطنها، لكن الأمر مر بسلام دون أن نفهم هل كانت مسمومة أم لا، عبد الرحيم كمال مؤلف العمل من جهته رسم شخصياته بخبرة ومهارة لا تتاح لكثيرين غيره، وهو يقدم حوارا واقعيا، ومنسابا ومتدفقا علي ألسنة الشخصيات نتأكد من هذا بمتابعتنا للحوارات التي تدور بين همام وجابر والتي تحمل عندا وشموخا من الطرفين رغم أن الأول هو كبير مشايخ العرب، والثاني يتعاملون معه علي أنه مجرد قاطع طريق، أما المخرج حسني صالح فقد أتحفنا باختياراته غير العادية للممثلين صابرين التي عادت قوية علي يديه، وكذلك الحريري، وريهام عبد الغفور وسامح الصريطي وطبعا عبد العزيز مخيون.