من الأفعال الغريبة المنفرة والتي تثير اشمئزاز أي مواطن مصري، وتتنافي مع العادات المصرية الأصيلة، أن يبدأ أحد الأبناء في حصر تركة أبيه وهو مازال علي قيد الحياة من أجل أن يعرف نصيبه في الميراث؟، ومن المشاهد الدرامية المؤثرة فينا أن يسمع الأب المريض أبناءه وهم يوزعون التركة أو يختلفون عليها، وعادة ما يؤدي به ذلك إلي زيادة حالته المرضية سوءاً، وفي أحيان أخري تتحسن حالته ويكون رد فعله حرمان الذين سمعهم يوزعون التركة من الميراث عبر عمليات بيع وشراء للأبناء البارين. وما يفعله السيد جمال مبارك بمساعدة بعض رجال الأعمال في الوقت الراهن لا يختلف عن هذه الأفعال، فهو يريد أن يحجز مكاناً قبل فوات الأوان، ولا يهتم بصحة أبيه، خاصة أنه سافر إلي العلاج في الخارج وهو ما يعني أن إصراره علي أن يرث منصب أبيه في هذا الوقت بالذات يمكن أن يؤول بأنه اعتراف من الأسرة بسوء الحالة الصحية للرئيس، أمد الله في عمره، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً في الحالة الاقتصادية لمصر بصورة تجعل محاكمة إبراهيم عيسي الشهيرة بسبب تأثيره في الاقتصاد المصري لا تقارن بما يمكن أن يحدث مع منظمي حملة دعم جمال مبارك في الوقت الراهن ، ولا يكترث نجل الرئيس بتصريحات كبار رجال الحزب الوطني التي قالت بصورة غير مباشرة إن ما يفعله هو قلة أدب. ولا يكترث نجل الرئيس بظهور والده في مناسبات متعددة بما يؤكد أن حالته الصحية تسمح له بممارسة مهام عمله، وهو ما يجعلنا نطلق علي ما يفعله المصطلح الذي يليق به وهو «العقوق». وإذا كان بعض الناس يبررون ما يفعله نجل الرئيس بأنه لم يقدم عليه إلا بعد أن حصل علي ضوء أخضر من والده، فإن لدينا مؤشرات متعددة تنفي هذا الأمر في مقدمتها أن الحزب الوطني لديه موقف متحفظ من حملة الابن، فمن يتابع تصريحات قيادات الحزب، عدا أعضاء أمانة السياسات، سيجد أن هناك إجماعاً فيما بينهم علي أن مرشح الحزب في الانتخابات المقبلة هو الرئيس مبارك. وتشير تصريحات بعض قيادات الحزب إلي أن لائحة الحزب هي التي تحدد كيفية اختيار المرشح عبر مؤتمر خاص يعقد لهذا الأمر. وبالتالي فإن الابن إذا أراد أن يترشح للمنصب فعليه أن يحتكم إلي لوائح الحزب، ولكن يبدو أنه مستعجل أو مضحوك عليه. ومن المؤشرات المهمة التي تؤكد إما عدم علم الرئيس بما يفعله نجله أو عدم موافقته عليه، هو أن حملة دعم الحزب يقودها بعض مطاريد الأحزاب أو الباحثين عن شهرة أو دور لم يجدوه في الأحزاب، وغاب عن الحملة تماماً أي أعضاء قياديين في الحزب الوطني أو حتي من المستويات الوسيطة فيه، بل إن بعض أمانات الحزب في الأحياء الشعبية أعلنت بصورة واضحة وصريحة تبرؤها من هذه الحملة عبر لافتات أو يفط علقت عليها، ولو كان الرئيس مبارك قد أعطي الضوء الأخضر لهذا العبث لرأينا زفة تأييد من السيد صفوت الشريف وأمناء المحافظات وقيادات الحزب للوارث الجديد. ولنقل التليفزيون أخبار هذه الحملة التي يزعمون أنها شعبية، ولتنافست الصحف القومية في تغطيتها. ومن يتابع هذه الحملة سيجد أنها تحظي فقط بتغطية الصحف التي يملكها رجال أعمال لهم ارتباطات مالية برجال الأعمال الممولين للحملة، وهم في الوقت نفسه الذين سوف يستفيدون من وصول نجل الرئيس إلي الحكم لأن انحيازاته الاجتماعية ستكون لهم. وقد يقول قائل: إن ما يفعله نجل الرئيس هو محاولة منه لكي يبتز والده عاطفياً، لكي يتنحي عن الحكم ويتركه له، أو لكي يدفعه إلي عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولو كان الرئيس موافقاً علي هذا السيناريو لنقل السلطة إلي ابنه وكفاه شر القتال، ولكن يبدو أن الرئيس يدرك أن ابنه ليس مؤهلاً للحكم، أو أن «المؤسسات» الرئيسية في الدولة لا توافق عليه، أو أن الرئيس خائف علي شعب مصر من سياسات ابنه التي تبدو ملامحها في توصيات وقرارات ومشروعات صادرة عن أمانة سياسات الحزب الوطني. وإذا كان نجل الرئيس يريد ابتزاز والده عاطفيا فإن ذلك يعيدنا إلي المواقف الدرامية التي سبق أن أشرنا إليها سابقا، وهو ما يعني أن الرئيس قد يكون مستاء مما يفعله ابنه، وقرر بالتالي أن يحرمه من الميراث وهو ما جعل الابن يلوش علي غير هدي وهو ما يبدو من حملته اليائسة البائسة التي لا تحظي بأي دعم شعبي اللهم إلا تلميع وتغطية صحف رجال الأعمال المنتمين إلي الرأسمالية المتوحشة. والغريب أن نجل الرئيس بدأ حملته الانتخابية الشعبية قبل أن يحصل علي ترشيح الحزب له، فيما يبدو وكأنه لا يعترف بالمؤسسات الحزبية، ولا يحترم لوائح الحزب، مع أنه كان من الواجب عليه أن يحترم الإجراءات التي كانت تفرض عليه أن يبدأ حملته الدعائية لدي كوادر المؤتمر الخاص للحزب، بعد أن يعلن الأخير عن فتح باب التقدم للانتخابات من أجل اختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. والطريقة التي يدير بها نجل الرئيس حملته الحالية تطرح تساؤلات جدية حول الوضع الصحي للرئيس، وتنسف أي محاولات جدية يبذلها الرئيس من أجل تأكيد أن حالته الصحية جيدة. منذ ما يزيد علي العامين قال لي صديق عضو في أمانة سياسات الحزب وأحد المقربين من نجل الرئيس، عبارة مازالت ترن في أذني وهي: ادعوا للرئيس بطول العمر والبقاء لأنه حايش عنكم بلاوي كتير. وكان يقصد بهذه البلاوي ما سيفعله نجله أو المقربون من نجله إذا ما تولوا الحكم، لأن برنامجهم الاقتصادي والسياسي لا يضع أي اعتبار للفقراء، وليس لديهم أي حس اجتماعي. ومنذ أيام كنت أجلس مع أحد أصدقائي اليساريين ولفت انتباهي إلي أنه حتي الحديث الزائف والكاذب عن الفقراء والحفاظ علي مصالحهم اختفي تماما من خطاب الحكومة. وهو أمر صحيح، وهو ما يدل علي أن ممثلي الرأسمالية المتوحشة سيطروا تماما علي الحكم، وأنهم يريدون أن يأتوا بأحد رعياهم أو ممثليهم لكي يحافظوا علي مصالحهم. وهم يبدو أنهم مضارون من انحياز الرئيس حتي ولو كان شكليا للفقراء، ويريدون أن يستبدلوه بنجله. وهم لا يدركون أن الانحياز للفقراء حتي ولو كان كاذبا، ليس انحيازا اجتماعيا من الرئيس، وإنما هو أحد أدوات استقرار حكمه. قد يقول قائل: إن حملة دعم نجل الرئيس ليست ذات صلة به، وأنه غير مسئول عنها، وهو ما ينفي عنه بالتالي تهمة العقوق، لكننا لم نسمع منه تصريحاً حولها يؤكد أنه لا يقوم حاليا بإحصاء التركة ،ولا يسعي لأن يرث أحداً حياً، وسكوته عنها يعني تأييداً لها، بل يؤكد ارتباطه بها علي الرغم من أنه لم ينظم أي لقاء علني بأعضائها. منذ فترة قال لي أحد المقربين أيضا من نجل الرئيس أنه أعطي تعليمات بعدم عرض الصحف التي تهاجمه عليه، فهل أخفي عنه مساعدوه أي أخبار عن حملة تأييده؟ لو كان ذلك صحيحاً لكانت كارثة، مواطن يريد أن يحكم مصر ولا يقرأ الصحف التي تصدر فيها؟ يا للهول علي رأي يوسف بيه وهبي.