يتكاثر الناس في العالم الثالث مثل السمك. نعم، ليس مثل البشر، بل مثل السمك. ليس مثل البشر في اليابانوفرنسا، بل مثل السمك. قال مالثوس إن البشر يزيدون بمتوالية هندسية (يعني: 2-4-8-16) بينما إنتاج الغذاء يزيد بمتوالية حسابية (يعني: 2-3-4-5). لكن الثورة الصناعية-الزراعية جعلت كثيرين يسخرون من مالثوس، وفي عصرنا الحديث أدحضت المجتمعات الغنية مالثوس إدحاضة أخري، فسكان فرنسا يزيدون بمتوالية سلحفائية، ولكن مالثوس سيظل نافعاً كأداة للفهم ما دام بعض البشر يتكاثرون كالسمك. نبدأ بالسمك: سمكة التونة الصفراء تضع ملايين البياض، وسمكة السالمون تكتفي ببضعة آلاف. لكن المبدأ واحد. تفريخ كبير يعطي فرصة الحياة لعدد قليل. للسمك طريقته في التماس البقاء. وتصر بعض الشعوب علي التشبه به. الهندي الفقير لا ينظر إلي مستقبل الأولاد، بل إلي منفعته هو. يرمي الأولاد لكي يتربوا في الأزقة فهذا لا يكلف شيئاً، ثم سريعاً ما يدخل الأولاد دوامة إنتاج الرزق، وبما أنه هو مالكهم فسوف ينتفع بضع سنوات بمردود شغلهم أو تسوّلهم. وكلما كبر أحدهم واستقل بحياته، بلغ غيره سن السُّخرة. أنا أتحدث عن الهند، أرجوكم افهموني غلط. لننظر إلي أرقام عن تكاثر الروس مثلاً، وعبارة تكاثر الروس زلة قلم، لأنهم يتناقصون وبنسبة عالية هي نصف بالمائة سنوياً، وفي كيانات العالم المختلفة (التي يبلغ عددها 232 كياناً بحسب إحصاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية) هناك 31 كياناً تتناقص سكانياً، من بينها إيطاليا وألمانيا واليابان ورومانيا وروسيا. التكاثر أو التناقص السكاني موضوع اقتصادي أساساً، وهو مرتبط بدرجة كبيرة بقدرة الدولة والمجتمع علي الهندسة الاجتماعية. بعض التحرريين يرفض الهندسة الاجتماعية رفضاً قاطعاً. لكنها شيء يحدث في كل بلد، تونس لا تسمح لك بالزواج من ثانية، ومصر تمنعك من اتخاذ زوجة خامسة، بالقانون. هذه هندسة اجتماعية، وكل قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الإعفاءات الضريبية للأسر والأطفال، في فرنسا كما في بنجلاديش، هي هندسة اجتماعية. وحتي لا نكثر من التجوال بين الدول فإن مصر تفوق الهند بكثير في نسبة الزيادة السكانية وهي تفوق بنجلادش والصين وباكستان أيضاً، وبكثير. أنجح طريقة اخترعها البشر لضبط الزيادة السكانية هي الإغراء المالي المباشر. قال-وزير المالية يوسف بطرس غالي الشهر الماضي.. إن المحصول الضريبي زاد 6 بالمائة، فأصبح 148 بليون جنيه. لو شدت الحكومة حيلها وضربت بنعومة علي يد المستثمرين وكبار رجال الأعمال ففي مقدورها الحصول بسهولة معقولة علي 20 بليون جنيه إضافية سنوياً، وهي تكفي لنموذج في الهندسة الاجتماعية أطرحه كمثال فج لا أكثر: تخصص الدولة 200 جنيه شهرياً للطفل الأول، و200 جنيه للثاني، والطفل الثالث لا شيء، وبالطفل الرابع تخسر الأسرة دعم الطفل الثاني، وبالطفل الخامس تخسر دعم الطفل الأول. وعلي هذا فالأسرة التي لديها طفلان أو ثلاثة تأخذ المعونة كاملة 400 جنيه شهرياً. والتي لديها أربعة أطفال تأخذ نصف المعونة، والتي لديها خمسة أطفال لا تأخذ معونة. وتعفي من حجب المعونة الأسر الكبيرة الموجودة الآن، والمواليد الجدد للأشهر التسعة المقبلة. تشريع كهذا سيقوي الطبقة الوسطي المتآكلة، وسينعش الأسواق، وسيؤدي علي المدي المتوسط إلي أن الفقير سيفضل الأربعمائة جنيه علي التفريخ للحصول علي فتات عمل أولاده. وهذا القانون من شأنه أن يقلل عمالة الأطفال القاسية. نعم، الخطة فجة، رغم أنها حسابياً صحيحة. والمقصد من طرح شيء كهذا مجرد التنبيه إلي الدور المركزي للدولة في توفير شرط تنموي. مصر الدولة لا تقدم لمصر المجتمع ضمانات صحية ولا إعاشية كبيرة، المجتمع يتصرف وحده، وآن الأوان للدولة أن تفعل شيئاً. وقد يسأل سائل: وماذا عن المتزوج من امرأتين. والجواب: هذا شخص مستطيع، وربما علي الدولة التفكير في فرض ضريبة علي الزوجة الثانية وضريبة مضاعفة علي الثالثة، بدلاً من منحه معونة، وسيأتي من يفتي بجواز هذا. هل تريد مصر أن تفرخ كالأسماك أم تتكاثر كالأسود؟..المجتمعات الغنية في هذا العالم تتكاثر كالأسود. و.. أرجوكم افهموني غلط.