كان الملك جالساً مع اثنين من أخلص مساعديه.. جلالة الأسد ومعه الديب والثعلب.. وكان أن شعر الأسد بالجوع.. «طبيعي أن يشعر الملك بالجوع برضه».. ونظر إلي معاونيه.. عايز آكل.. قوم انت وهو اتصرفوا وشوفولنا لقمة ناكلها.. وهب الديب ووراه التعلب وهما يرتجفان.. وبعد وقت قصير رجعا ومعهما غزالتين.. واحدة سمينة ومدملكة والأخري نحيفة وسمباتيك.. ووضعا صيدهما أمام جلالة ملك الغابة.. فكر الأسد وهو يسن أنيابه وقال للديب.. قسم يا ديب.. فقال الديب.. هذه الغزالة السمينة لجلالتكم..وتلك النحيفة لي أنا والثعلب.. فرفع الملك يده وهوي بها علي رأس الديب فقطعها.. وتدحرجت علي الأرض أمامهم.. فعاد الأسد إلي الثعلب المكار.. قسم أنت أيها الثعلب.. ابتسم الثعلب ورد من فوره.. السمينة لغداء جلالتكم.. أما هذه النحيفة فإنها وجبة عشاؤكم أيها الملك السعيد.. ابتسم الملك وهو يقصف رقبة الغزالة.. وسأل وهو يقضم نسيلة من لحم الرقبة.. من أين أتتك هذه الحكمة أيها الثعلب؟.. رد الثعلب وهو يشير لرأس الديب المقطوعة.. من هذه الرأس أيها الملك.. و.. وماذا بعد!! نعم ملك فاسد وطاغية وجبروت.. ما هو الجديد؟ وهل يوجد ملك غير فاسد.. احتمال ولكننا طول عمرنا نسمع لفظة الملك ووراها الفاسد علي طول.. الغريب أننا لم نسمع قبلاً الرئيس الفاسد.. وكأن الفساد يرتبط فقط بالملكية!!.. حتي حكاية الأسد الاستهلالية قيلت بوصفه كما عرفناه دائماً ملك الغابة.. وليس رئيس الغابة.. ولم تفكر الغابة يوماً في القيام بثورة.. تعزل فيها الملك وتأتي برئيس جمهورية!!.. والغابة حرة في وجهة نظرها وحريتها ونظام حكمها.. ولكن هذا الحديث عن الفساد سواء كانت ملكية أو جمهورية!!.. فقد أصبح عنصراً أساسياً وفاعلا وشريك متضامنًا.. في كل فعاليات العيشة واللي عايشينها.. والجديد هو التبجح الذي أصبح ملازما للفساد.. هذه الخاصية التي جعلت الملك يطيح برأس الديب ويثني علي الثعلب.. وهي أيضاً التي ترفع كل فاسد إلي مرتبة أعلي وأرقي.. وتخسف الأرض بمن تسول له نفسه أن يقف في وجه عجلة الفساد.. وبدون أي تورية أو خجل أو كياسة.. ولماذا التورية؟.. وكل الدولة فاسدة.. وفيم الخجل؟.. إذا كان اللي ينكسف من بنت عمه ما بيجبش منها عيال.. وما وضع الكياسة؟.. إذا كانت لن تدوم لك وحتاخدلك يومين وتمشي.. يعني لازم تلحق ترستأ نفسك فيهم.. طبقاً لهذه المعطيات فإنك عندما تكون بصدد الانضمام لأي كيان.. فأمامك أحد خيارين.. إما أن تكون مستعداً لأن تكون ترسًا يدور فوراً في ماكينة فساد هذا الكيان.. وتعيش يا باشا.. أو ينقح عليك عرق الشهامة والشرف.. فتنتهي قبل أن تبدأ.. أو في أحسن الأحوال تظل كما أنت محلك سر.. وتندهش وأنت تري كل من حولك يتقدمون ويرتقون.. وأنت مكانك لا تتحول ولا تتغير.. وقد يزيل الله غيوم البلادة عن عقلك فتفهم أصول اللعبة.. وتعرف أن هذا الكيان مثل غيره فاسد.. وتتوق شوقاً لأن تنضم لهذه المنظومة الفاسدة الرائعة.. أفيد وأستفيد.. أعيش زي الناس دي ما هي عايشة.. يعني أنا اللي حاعدل المايلة.. يعني هي جت علي أنا.. هكذا تحدث نفسك وتضع تبريراتك الأخلاقية.. ولكنك تجد طريق الفساد مقفولاً.. والسبيل ليس ممهدا.. وتعلم في النهاية أن الفساد يبحث عن أصحابه.. ومش أي حد ينفع يبقي فاسد.. الفساد مش لعبة وله قواعده وأساسياته.. ويجب أن تتدرب علي أصوله وتتعرف علي أبجدياته.. ولا تطمح إلي الكرسي الكبير لأن له رواده ومستحقيه.. إلعب في وزنك وكن مدركا لحقيقة وضعك.. كادر حزبي حكومي.. ثم عضو مجلس محلي وبعده عضو مجلس شعب.. وأنت وشطارتك في ملعب رجال المال والأعمال.. وموقعك طبعاً حيساعدك ويدعمك.؟ وقد يبتسم لك زمانك وترضي عنك قيادة حزبك ورجال النظام.. فتجد نفسك في كادر سياسي تنفيذي.. كرسي الوزارة مثلاً.. وتفسد أكثر فتصبح رئيساً للوزارة.. وقد يبلغ بك زخم الفساد العلا.. وتبدع في الفساد والإفساد وتحسن رعاية الفاسدين.. وحينذاك تجد من يضع بين يديك الغزلان والخرفان والبط.. ولا يجرؤ كائن من كان علي الاقتسام معك أو حتي البوح بما يشتهيه.. ويتحول كل من حولك إلي ثعالب.. اكتسبوا الحكمة من رأس الديب المقطوعة..