مازالت مصر أسيرة الصراع بين الشيخ والجنرال. الشيخ استفاد من فشل الجنرال الذي وضع المجتمع كله في زنزانة كبيرة..أدارها بمنطق الثكنات العسكرية. كان الجنرال يخطب في شعبه من الشرفات.. ينظر إليه من أعلي.. بينما كان الشيخ بجوارهم في الجامع لحظة الصلاة والمساواة بين الجميع. هزيمة الجنرال انتصار للشيخ.وهما متشابهان في طلب السمع والطاعة. الجنرال يطلبها في الشارع. والشيخ في المسجد. والهزيمة أخرجت الشيخ ليكون امتداداً للجامع. مرت أكثر من 100 سنة علي ميلاد حسن البنا في قرية مثلها الأعلي هو الإمام محمد عبده، شيخ الأزهر المتمرد علي موديلاته القديمة، والثائر الذي لا يفصل بين الاستقلال عن الاستعمار وإصلاح الدين. لم يصبح محمد عبده، ولا هتلر أو موسوليني كما قالوا عليه في عز نجوميته، لكنه خليط من الإمام المجدد..والزعيم النازي الذي يسيطر بالتنويم المغناطيسي علي جماهير عمياء مكسورة الجناح، تشعر بضعفها وتري تحققها في الذوبان تحت جناح الزعيم المهيمن. حسن البنا هو أيضاً ابن ثقافة ريفية..عاش صدمة الحياة في الإسماعيلية، مدينة إفرنجية.. علي أرض مصرية. هناك كانت البيئة المناسبة لولادة تنظيم يبحث عن سند من 1400 سنة ليواجه الغرب المنتصر والمسيطر. كان تنظيم البحث عن مجد قديم. زعيمه تربي في مجال يمنح الواعظ الديني رتبة اجتماعية..أبوه كان مأذوناً و«ساعاتي» وخطيب مسجد القرية. والبداية كما هي عادة التنظيمات الفاشية من خلال إعادة تربية الإنسان ليبدو دخوله التنظيم ولادة جديدة. حسن البنا الشيخ الذي يرتدي بدلة مصنوعة بقماش مصري وطربوش.. أنشأ جمعية سماها «منع المحرمات».اسم لا ينقصه الإغراء لجذب مراهقين يبحثون عن دور يشعرون به في المجتمع.. أعضاء الجمعية كانوا يرسلون خطابات تهديد لمن يرتكب منكراً. التقي هذا مع الحس السياسي الساخن في مظاهرات ثورة 1919 التي اشترك فيها حسن البنا وعمره لا يتجاوز 13 عاماً. نمت عند حسن البنا علي ما يبدو حس المطاردة الأخلاقية والثورة السياسية في إطار أوسع وهو البكاء علي سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا. ليس غريباً هنا أن يظهر تنظيم الإخوان المسلمين من بيت حسن البنا في الإسماعيلية في نفس التوقيت الذي كان الملك فؤاد يبحث فيه عن طريقة يحقق بها حلمه ليكون خليفة للمسلمين. البنا كان كاريزما دينية مؤثرة، جمهوره من عمال المعسكرات في منطقة القنال هؤلاء هم نواة أول تنظيم سياسي في مصر يدعو إلي العودة إلي الإسلام. لم يحلم بمنصب خليفة المسلمين.. لكنه منح القوة لفكرة البحث عن خليفة مصري. حسن البنا محترف في فكرة تنظيمات التربية الرشيدة. وهو هنا يشبه كل التنظيمات الفاشية التي تقوم علي فكرة الولاء.. والسمع والطاعة. أفكارها كلها عن الخير المطلق..والشر المطلق.. تقسم العالم إلي فريقين: مؤمنون وكفار. تنظيمات لا تعترف بالحرية الشخصية ولا بثقافة أن الفرد هو صانع التاريخ.. وهو موديل من التنظيمات عرفه العالم كله في لحظة من لحظات تطوره. لحظة الأزمة. لكن وبما أننا نعيش خارج الزمن السياسي فمازال الإخوان أقوي تنظيم سياسي.. ومازال حسن البنا يحكم من القبر. و...هذه مجرد تأملات علي هامش الاهتمام السياسي بمسلسل «الجماعة ». ربما أعود إلي التأملات، أو المسلسل مرة أخري.