علامات الزمن لا تأتي دوما علي هيئة تجاعيد، ورتوش غير مرغوب فيها.. لا يمكن اختصارها فقط في خطوط الوجه، أو الرقبة، لكنها تأتي مع فئة أخري علي هيئة خبرة، ونضج كامل لموهبة تتحقق شيئا فشيئا، كلما مرت السنوات.. نحن نتحدث عن أحمد بدير الذي يأتي هذا العام بدورين كل منهما أكثر غموضا من الآخر.. الأول هو حسان الطويحي ملك نجع الجبل في مسلسل «مملكة الجبل»، والثاني هو إبراهيم المطلي البلطجي الذي يحل مشاكله بالقتل دوما في مسلسل «اختفاء سعيد مهران». أحمد بدير ينجح تماما في أن يقدم شخصية واقعية، وبها مس من السحر في الوقت نفسه، فأنت لا تعرف إن كان هو ذلك الطيب الذي يصر علي الأخذ بثأر رجل لا تربطه به صلة فقط لأنه «غلبان» وليس له أهل، أم أنه ذلك الذي يخدع شركاءه ويستحوذ علي النصيب الأكبر في صفقة بيع الآثار، ويقنعنا تماما بأنه هو الأحق بها، رغم أن ما فعله يعد في عرف التجار خيانة لا أكثر.. كان بديعا وهو ينظر بعينيه إلي الصحراء تلك النظرة التي تصيبك بالحيرة وتصيب توقعاتك في مقتل، لأنك لن تعرف أبدا في ماذا يفكر صاحبها. يأتي أحمد بدير أيضا ليقدم شخصية أكثر التباسا في مسلسل "اختفاء سعيد مهران".. لا نعرف مثلا هل نواصل الضحك علي إفيهاته، أم نلعنه تماما، عندما يقرر وبكل بساطة أن يقتل «سيد» حرقا لأنه يرفض الإمضاء علي التنازل، ويخبره بمنتهي الهدوء: «أنا مش فاضي.. أنا عايز أروح أصلي الفجر». قصة التألق مع أحمد بدير جاءت مصاحبة لتقدم السنوات، هذا لأن طبيعة الأدوار التي أصبحت تسند له تحمل قدرا أكبر من العمق، وهو يتحرك فيها بحرية، طبعا هو أحد أهم المضحكين في مصر، من خلال عشرات الأدوار التي قدمها في السينما، والتليفزيون، لكنه وبعد مسلسل «الزيني بركات» قرر الخروج من سجن الكوميديا، وحلّق في الآفاق بأدوار تحمل أبعادا أخري. بقدرة هائلة علي التقمص يثبت أحمد بدير للجميع أن هناك شيئا عميقا جدا بالداخل، ولكن المشكلة أنه ظهر متأخرا بعض الشيء.. نعلم أن هناك مفاجآت أكثر جمالا تنتظرنا علي يد هذا الممثل الجميل الذي ظلمناه حينا من الدهر، وهو يأتي هنا ليرفع الظلم عن نفسه.