في كل أزمة تواجهها مصر سواء كانت داخلية أو خارجية، يُتهم الإعلام المصري بالتقصير وربما الفشل في مواجهة وسائل الإعلام الأخري، والنتيجة الطبيعية لذلك أن تبدو سلطات الدولة وأجهزتها وقادتها في موضع الخاسر الذي لم يحسن إدارة المعركة سياسياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو حتي رياضياً. من الطبيعي أن تحسن أي سلطة دولة التصرف أحيانا وتسيء التصرف أحيانا أخري، لكن من غير المنطقي وغير المفهوم أيضا أن تبدو سلطات الدولة في مصر مع كل أزمة في حالة يرثي لها تستدعي الشفقة والإحسان علي ما وصل إليه الإعلام التابع لها من تردِ وعدم قدرة علي إقناع المشاهدين والمستمعين والقراء بوجهة نظر معينة أو بدوافع السلطات الكامنة وراء اتخاذ موقف ما، مما يقود في النهاية إلي نتيجة محتومة واحدة هي إحساس يصل إلي حد اليقين بأن السلطات أصبحت عاجزة عن اتخاذ أي قرار سليم، وهو ما لا يتفق بداهة مع طبيعة الأشياء أو سلامة المنطق. لكن الحاصل أن إدارة وسائل الإعلام التابعة للدولة تدار بمنطق الجندي في الميدان الذي يجب أن ينصاع إلي الأوامر ويؤدي المهام المنوطة به علي أكمل وجه دون أن تتوافر له أي مساحة لمناقشة هذه الأوامر ودون أن يتمكن القائم علي العمل الإعلامي من بحث وتحليل أي قضية من خلفية ورؤية متباينة تقود في نهاية المطاف إلي إقناع المتلقي بوجهة نظره بعدما يقدم له وجبة طعام متنوعة يرشده في نهايتها إلي نوع الطعام الأصلح والأطيب والأشهي فيقرر عن طيب خاطر أن يتناوله ويهضمه بل يتبني إرشاد الآخرين إلي حُسن هذا الطعام وفوائده. صحيح أن قيادات الدولة وأجهزتها لا ترسل بيانات مكمتوبة لأتباعها ولا تُعين رقيبا لمنع الأخبار أو الآراء المخالفة، لكن القائمين علي الاتصال من رؤساء تحرير ومجالس إدارة أصبحوا يدركون أن مخالفتهم التوجه العام لسياسات الدولة أو حتي إبداء آراء متوازنة معها من شأنه أن يطيح بهم وبطموحاتهم أو علي الأقل سيضع انتماءهم في موضع شك وهو أمر له تبعات مستقبلية دون شك. ولا ينسحب هذا السلوك علي القضايا السياسية الأكثر خطرا وسخونة فحسب بل أيضا علي أتفه الأمور، يحضرني في ذلك توجيه علني من علاء مبارك نجل الرئيس إلي أحد رؤساء التحرير بأن عدم تبنيه الحملة التي شُنت إلي جانب المنتخب الوطني في موقعة الجزائر بالخرطوم هو عمل مشين، ومن ثم جري تصحيح المواقف بعد ذلك، مما يؤكد ما أقوله بأن حرية مسئولي الإعلام الرسمي في هذا البلد هي حرية منقوصة إن لم تكن معدومة تماماً، الأمر الذي يُفقد ثقة الجمهور فيما يقولونه ويدعونه حتي لو توافرت الأسباب والمبررات الكفيلة بإقناع الناس وتبنيهم مواقف الدولة. ولعل أكبر شاهد علي ذلك حالة الجدل والصراع الإعلامي الذي صاحب دخول قافلة شريان الحياة 3 إلي غزة، فقد عجزت أجهزة الإعلام الحكومية عن إقناع الناس بوجاهة ومبررات الدولة في كيفية تنظيم وإدارة هكذا أمور، رغم اقتناعي واقتناع شرائح واسعة من المصريين بوجهة النظر الرسمية في هذه الحالة وضرورة احترام هيبة وسيادة وكرامة الدولة التي هي هيبة وسيادة وكرامة كل مواطن علي أراضيها دون انتقاص حق شعب غزة في تلقي المساعدات الإنسانية. الشاهد الثاني علي التردي الإعلامي الحكومي، أن أحداً من القائمين علي الاتصال لم يبادر إلي توجيه اللوم لأجهزة الأمن في مدينة نجع حمادي عقب الهجوم الذي وقع عشية عيد ميلاد السيد المسيح أمام مطرانية المدينة، ولو فعل بعضهم ذلك لساهم كثيرا في تخفيف ردود الأفعال التي استتبعت الحادث، ولأكسب وسائل الإعلام الرسمية بعضاً من التقدير والاحترام الذي تفتقده منذ سنين. أكثر من ذلك أن تقنيات وسائل الإعلام الحكومية مازالت متخلفة عن مواكبة الثورة التكنولوجية القائمة الآن حول العالم، فهي غير قادرة أو غير راغبة في التواصل مع الجمهور بالإعلام التفاعلي، كما أن معظم مواقعها علي الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» تبدو متخلفة وعقيمة في تبويبها وفي سرعتها في نقل الأحداث، ناهيك عن عدم تبنيها وجهات نظر مختلفة بما يعكس تمتعها بالحرية اللازمة للتأثير والإقناع. أما الطامة الكبري فتتمثل في وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية التي ُتعد المرجع الأساسي للأنباء الحكومية والرسمية في مصر، فهي حتي الآن بطيئة في نقل الخبر والصورة قياسا بمنافسيها، كما أن صياغاتها الخبرية عتيقة، وخلفيات الأخبار من معلومات وإحصاءات ودوافع تبدو معدومة وهو ما يضع الوكالة في مصاف وكالات الأنباء الأكثر رجعية وتخلفاً في العالم الثالث. وما يزيد الطين بلة أن الوكالة مع كل هذه الانتكاسات تفرض رسوماً علي مطالعتها، فلا تستطيع أن تفتح موقعها علي الإنترنت إلا باشتراك شهري باهظ الثمن رغم كونها وكالة أنباء رسمية تقدم خدمة تستهدف بالأساس إعلام وتوجيه الرأي العام المصري والعربي والعالمي بما يحدث في مصر أولاً وأخيراً، وليس من أهدافها أو خططها خدمة معلوماتية وخبرية عالمية للجمهور العربي أو الدولي، في المقابل ستجد أن وكالة الأنباء السورية والسعودية والأردنية والإيرانية والجزائرية وغيرها مفتوحة مجانا لخدمة كل من يرغب في المعرفة والاطلاع علي الإنترنت، الأمر الذي يسهل علي الصحف ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية حول العالم عملها، وينقل رؤي ومواقف الدولة التي تدير وكالة الأنباء بكل سهولة ويسر إلي الرأي العام. ليس من مهام وكالة أنباء الشرق الأوسط تحصيل الأموال والأرباح، هذا واجب الدولة التي ينبغي عليها أن تعيد النظر في كيفية إدارة الوكالة الرسمية، بل في كيفية إدارة أجهزة إعلامها التي يتراجع دورها يوماً بعد يوم حتي كدنا نتوقف عن متابعتها فما بالك بتأثيراتها!