سؤال مهم جداً، بعد كل ما نٌشر، في كل الأعمدة السابقة : لماذا لا يقبل الناس في مصر علي التبرع بالدم، في الأيام العادية، أو بشكل دوري، أو حتي باعتبار أن تبرعهم هذا صدقة عن صحتهم وأنفسهم، علي الرغم من أنهم هم أنفسهم ( وليس غيرهم ) يبادرون طواعية بالتبرع بدمائهم (نفسها)، إذا ما حلت كارثة، أو اندلعت حرب، أو وقع حدث جلل؟!... المصريون أنفسهم، الذين لا يبالون بفكرة التبرع الدوري بالدم، ولو مرة كل ستة أشهر، هم الذين وقفوا في طوابير، للتبُّرع بدمائهم لمصابي حوادث القطارات، وضحايا الاعتداء الإسرائيلي علي غزة وغيرهم ... فأين تكمن المشكلة إذن؟!... الواقع أن المشكلة الفعلية تكمن في انعدام الثقة... انعدام ثقة المواطن في مصداقية حملات التبُّرع بالدم ... وعدم ثقة المواطن في نظافة وصحة الأجهزة، التي تستخدم في التبُّرع بالدم ... وعدم ثقة المواطن (وهذا هو الأهم)، في النظام الحاكم ككل... وانعدام الثقة هذا لم يأت من فراغ، فالإعلام لدينا فاشل، يحيا في غيبوبة ستيناتية، ويصر في حماقة وسذاجة، علي إثبات أنه إعلام الملك، وليس إعلام الشعب، لذا، فما من شيء يقوله سيبدو لمصلحة الشعب، وإنما سيري الناس أن هذا الإعلام العبيط، يحاول إفادة الملك والعائلة المالكة ونظام الحكم الفاسد، ولو علي حساب الشعب كله، وبالتالي تفشل حملاته، هذا لو قام بها من أجل التبُّرع بالدم، دون أن يطلب مقابلاً عبيطاً مثله، يجعل استيراد الدم من المريخ أقل تكلفة؛ لأنه لا يؤمن حقًا بأهمية وخطورة الأمر، بل بضرورة وحتمية أن يقنع الملك بأنه جدع وكسيب وواد عترة.... ثم إن هذا الإعلام نفسه، هو من اندفع في شراهة غير محسوبة، لإثبات فساد أكياس الدم، ووسائل نقل الدم، ليحقق ضجة محدودة، وتأثيراً مرعباً دائماً، في قلوب جميع المصريين، باختلاف فئاتهم.... الأهم من كل هذا، هو أن نظام التعامل مع الدم في مصر هو نظام فاشل، بكل المقاييس المعروفة، والقائمون عليه مثل القائمين علي كل شيء في بلادنا، يعشقون النظريات، والشعارات، والأرقام الشيك، والمقارنات بسويسرا وسنينها، و أوروبا وحضارتها، وبلاد واق الواق، ويغرقون في أوراق رسمية، واجتماعات شيك، دون أن يفكروا لحظة في النزول إلي أرض الواقع.... وللحديث بقية.