منذ ما يزيد قليلاً علي العام، وبعد رحلة من العذاب مع مرضي الفشل الكلوي، الذي يصيب ثلاثة ملايين مريض سنوياً، وفقني الله سبحانه وتعالي إلي إجراء عملية زراعة كلي، أصررت علي إجرائها في مصر، وليس خارجها، كما يفعل كل باشاوات النظام، الذين يشيدون عمال علي بطال بالطب في مصر، ثم يهرعون إلي الخارج لعلاج شكة دبوس.. وفي العملية، وبسبب خطأ مني، يكمن في عدم إبطال دواء أتعاطاه، علي الرغم من تأكيد الطبيب المعالج ضرورة هذا، أصابني نزيف حاد، كاد يودي بحياتي في حجرة العمليات، حتي إن الأطباء اضطروا إلي إعطائي كل كمية الدم، التي كانت مخصَّصة لفترة العلاج بالكامل، قبل خروجي من حجرة العمليات؛ حفاظاً علي حياتي، وعلي الرغم من هذا فقد خرجت بحالة أنيميا حادة، تقل فيها نسبة الهيموجلوبين عن ثلث نسبتها الفعلية، مما استلزم مدي بعدة ليترات من الدم الطازج، حتي لا تتدهوَّر حالتي أكثر.. ولم يكن هذا الدم متوفراً بالمستشفي، وليس بهذه الكمية علي الأقل، لذا كان من الضروري الاعتماد علي التبرعات الخارجية، بعد أن تبرَّع ابني، وتبرَّعت زوجتي، فقام أحد تلامذتي من الشباب بنشر الأمر عبر شبكة الإنترنت؛ ليتدفَّق عشرات من الشباب بعدها علي المستشفي، الذي فاض بدمائهم، حتي لم يعد في بنك الدم مكان لاستقبال المزيد.. القصة، إلي جوار أنها نموذج حب وعطاء ما زلت أزهو به، إلا أنها تثبت في الوقت ذاته أن الشباب معطاء، يسارع دوماً بمنح دمه لمن يحتاجه، إذا ما آمن بما يفعله، وفي قناعتي الشخصية، أن مسارعتي للتبرع بالدم مع زملائي، إبان حرب أكتوبر 73، هي التي جعلت الكثيرين يسارعون بمنحي دمهم في تجربة مرضي، حتي صرت أحد الكتاب النادرين، الذين يعيشون بدماء قرائهم، التي تسري في عروقه، وتنعش قلبه وخلاياه.. ونفس الشباب أدعوهم للتبرع بدمائهم لمن يحتاجها، ليس من أجلي، ولكن من أجل أنفسهم.. فبدمهم أعيش.. ويعيش غيري.. وغيرهم.