عندما صدر القرار الرئاسي بإلزام الحكومة بمنح أراضي الدولة للمستثمرين بنظام حق الانتفاع بدلاً من بيعها مثلما كان الحال طوال العقود الثلاثة السابقة، فقد كان هدف الرئيس من هذا القرار هو الحفاظ علي البقية الباقية من ثروة المصريين من الأراضي والحفاظ كذلك علي حقوق الأجيال القادمة..إضافة إلي منع مضاربة التجار ورجال الأعمال علي الأراضي عبر تسقيعها. سوف توفر سياسة حق الانتفاع فرصة حقيقية لتخفيض أسعار الوحدات السكنية بما يقترب من نصف الأسعار التي تباع بها حاليا، ولأن الحفاظ علي ثروات المصريين هدف لا يتجزأ فإن القرار الرئاسي يجب أن يتبعه قرارات أخري منها مثلا إجراء تحقيق فوري فيما يجري في المشروع القومي لإسكان الشباب..فما يحدث في هذا المشروع هو جريمة بكل معني الكلمة ترتكب في حق الشباب من محدودي الدخل تحت لافتة عنوانها مشروع مبارك لإسكان الشباب..وتحت هذه اللافتة تقع واحدة من أكبر الجرائم التي جرت في حق محدودي الدخل..والذين هدف الرئيس من وراء إعلان هذا المشروع الإسكاني إلي إتاحة أكثر من نصف مليون وحدة سكنية أمام الشباب محدود الدخل..وهم أصحاب الدخول والرواتب التي لا تتجاوز بضعة مئات من الجنيهات. كان الهدف عظيما ونبيلا..لذا قدمت الدولة تسهيلات غير عادية لشركات القطاع الخاص العقاري بهدف إنجاز المشروع وتقديمه للشباب بأسعار مناسبة لدخولهم، فمنحت الحكومة متر الأرض دون مرافق لتلك الشركات بسعر عشر جنيهات..وسبعين جنيهًا لمتر الأرض شامل المرافق..كما قدمت الحكومة منحة مقدارها عشرة آلاف جنيه لكل شركة عن كل وحدة يتم بناؤها وتسليمها للشباب..وكان الهدف من كل ذلك هو تقديم شقة للشباب بسعر معقول وبمساحة صافية تبلغ 63مترًا. المعروف أن وزارة الإسكان كانت تبني تلك الشقق بنفس المساحات وتبيعها للمواطنين بأسعار معقولة، وفي متناول محدودي الدخل بلغ مقدم حجزها خمسة آلاف جنيه وقسط شهري حوالي مائتي جنيه لمدة عشرين عاما، وعندما عهدت الحكومة لشركات القطاع الخاص ببناء مثل تلك النماذج، فقد قفزت الأسعار إلي أرقام فلكية تجاوزت حدود العقل والمنطق، وحقق أصحاب تلك الشركات أرباحا احتكارية خرافية، حيث تم بيع الوحدة 63مترًا نصف تشطيب بسعر 110 آلاف جنيه للدفع النقدي، أو بالتقسيط بفائدة سنوية مقطوعة بلغت 7% سنويا. بعبارة أخري فإن الشقة في مشروع مبارك لإسكان الشباب ومساحتها 63مترًا دون تشطيب يتم بيعها بسعر 160 ألف جنيه بالتقسيط علي خمس سنوات..وهي أسعار تحقق أرباحا مهولة لهؤلاء المحتكرين..وبطبيعة الحال فإن حاجز أو مالك تلك الوحدة السكنية ليس من الفئات محدودة الدخل التي قصدها الرئيس في برنامجه الانتخابي، بل شخص قادر علي سداد ألفي جنيه شهريا ثمنًا لأقساط الشقة مما ينفي عنه صفة محدودي الدخل. وقد أعد الدكتور ممدوح حمزة وآخرون دراسة حول تكلفة الوحدة السكنية في مشروع إسكان الشباب ونشرها الزميل أحمد السيد النجار، وكانت المفاجأة أن سعر الشقة قد بلغ حسب هذه الدراسة حوالي 51 ألف جنيه شامل هامش ربح محقق للشركة بنسبة 20%..وما زاد علي هذا السعر هو ربح احتكاري جشع. والسؤال الذي يثير الأعصاب هو..إذا كانت الحكومة تعلم ذلك بحكم أن بين أعضائها مهندسين وخبراء تشييد وبناء..فلماذا غضت البصر عن تلك الجريمة البشعة حتي إن كبري شركات العقار المصرية والتي تبني مشروعات استثمارية ضخمة في أنحاء الجمهورية قد سعت إلي المشاركة في هذا المشروع بسبب مكاسبه الضخمة؟ما جري في مشروع مبارك لإسكان الشباب جريمة لا يجب السكوت عنها ولابد من فتح هذا الملف. كيف نعيد لمحدودي الدخل حقوقهم انتظرنا للغد بإذن الله.