جدول مواعيد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة 2024 في محافظة البحيرة (الترم الثاني)    أضرار التدخين والإدمان على الصحة ندوة ب"تربية بني سويف"    ننشر أسعار الذهب في مستهل تعاملات الثلاثاء 7 مايو    اسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في اسواق الدقهلية    وزير الإسكان: إيقاف وإزالة مخالفات بناء في حملات بالشروق وزايد والعبور    تداول 67 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    مرتفعة 31%.. 1.6 مليار دولار صادرات الصناعات الغذائية الربع الأول من العام الجاري    «معلومات الوزراء»: توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب بنسبة 1.7% عام 2024    رئيس البورصة: النظام الإلكتروني لشهادات الإيداع الدولية متكامل وآمن لتسجيل العمليات    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات إلى غزة بعد سيطرة قوات إسرائيلية على معبر رفح    يوقف دخول المساعدات إلى غزة.. الاحتلال يغلق معبر رفح من الجانب الفلسطيني (تفاصيل)    باحثة سياسية: الدور المصري له أثر كبير في دعم القضية الفلسطينية    جيش الاحتلال: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان بمنطقة العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية    كيفية مشاهدة مباراة باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند مجانا    دويدار: معلول سيجدد تعاقده مع الأهلي    «الأرصاد»: ارتفاع الحرارة 5 درجات مئوية بدءا من الأربعاء    التحريات تكشف سبب حريق مطعم شهير بشبرا الخيمة| صور    «التعليم» تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    هتك عرضها والقي جثتها بالحديقة.. وصول أسرة الطفلة "جانيت" لمحكمة الجنايات لحضور أولي جلسات محاكمته    «التعليم» تنتهي من استعداداتها لامتحانات الترم الثاني لصفوف النقل.. تنطلق غدا    التحقيقات تكشف عدم وجود شبهة جنائية في مصرع فتاة صدمها قطار في البدرشين    بالفيديو.. الزراعة: إقبال جماهيري على حدائق الحيوان بالجمهورية في شم النسيم    ياسمين عبد العزيز: «كان نفسي أكون ضابط شرطة»    لا تأكل هذه الأطعمة في اليوم التالي.. الصحة تقدم نصائح قبل وبعد تناول الفسيخ    رويترز: جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح الفلسطيني    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زوج الأم كلمة السر.. دماء بمنطقة حساسة تكشف انتهاك جسد صغير بولاق الدكرور    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    Bad Bunny وSTRAY KIDS، أفضل 10 إطلالات للنجوم بحفل الميت جالا    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    شبانة: هناك أزمة قادمة بعد استفسار المصري بشأن شروط المشاركة في بطولات افريقيا    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    ياسمين عبد العزيز تكشف ل«صاحبة السعادة» سبب طلاقها من أحمد العوضي    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد القدوسي يكتب : التزوير في موسوعات مدفوعة الثمن
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 07 - 2010


..ولكن ما قيمة كل هذا التاريخ؟
سؤال أثار عجبي في البداية؛ إذ كنت أحسب أن إجابته قيلت صراحة بضع مرات، وضمنا عشرات المرات، أثناء قراءتنا لكتاب «خراب مصر»: نحن لا نقرأ تاريخا، بل نحاول فهم الحاضر بالعودة إلي البدايات الأولي لهذا الحاضر. ذلك أن البدايات تكون أبسط وأوضح. فضلا عن صعوبة فهم أي حدث عند متابعته من منتصفه، فما بالكم ونحن الآن لسنا في منتصف الحدث، بل في أمتاره وربما سنتيمتراته الأخيرة. ثم إن ما نعرضه ليس «سيرة ما مضي» لكنه «الحلقة الأولي» من مسلسل نحن أبطاله، وبلادنا مسرح أحداثه، وقصته هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا أيضا، وأحداثه مستمرة.
لهذا تعجبت شيئا ما حين سمعت السؤال في البداية. ثم وجدت فيه بعض المنطق، أو وجدته متوافقا مع المنطق السائد عندنا. ذلك أن معظم الناس في شرقنا المتخلف أصبحوا كسالي؛ وتلك علة أنه أصبح متخلفا. والكسالي لا يبحثون عن الحقائق بعيونهم، ولا يميلون إلي تمحيص الأفكار بعقولهم، بل يمارسون هذا وذاك بآذانهم. يكتفون بظنون السماع علي يقين الرؤية، ويفضلون ما هم فيه من راحة، علي ما يمكن تحقيقه من نهضة. أليس من المألوف أن يسألك أحدهم: كم الساعة؟، بينما نظرة واحدة إلي شاشة الهاتف الذي يمسكه في يده تمنحه إجابة سريعة ومؤكدة؟ ألم تعد الدروس الخصوصية هي القاعدة حتي في الجامعة حيث يجلس الطلاب، بالعشرات أحيانا، ليسمعوا ما يجب أن يقرأوه، ويلقنوا ما ينبغي أن يفهموه؟
إن معرفة «العين والعقل» معرفة محايدة، تعطي كل باحث بقدر ما يبذل من جهد، ثم إنها تمنح صاحبها الحرية، وتجعله يكتشف ما يميز ذاته في إطار المجموع، أما معرفة «السماع» فهي معرفة القطيع، معرفة اكتب ما يملي عليك، وافهم ما يملي عليك، وأسوأ ما فيها أن شخصية ذلك الذي يملي تظل محجوبة لا عن العيون فقط، بل عن العقول في المقام الأول. الكل يكتب، ويردد، متوهما أنه هو الذي ابتكر، أو علي الأقل هو الذي اقتنع بما يكتب ويردد، مع أنه لم يبتكر ولم يقتنع، بل هو من الأصل لم يفكر حتي يبتكر، ولم يناقش حتي يقتنع، لكنه «سمع» فتوهم أنه «عرف»، ثم راح يردد أوهامه هذه، غافلا عن الكيان الكبير الذي صبها في رأسه.
.. ولكن ما قيمة كل هذا التاريخ؟
سؤال من المنطقي أن يطرحه البعض، مادمنا مع كتاب «خراب مصر» ل«روتستين» نقرأ لا نسمع، ونفكر لا نلقن.
خذ مثلا «إسماعيل صديق» الشهير بالمفتش، الرجل الذي تناقلت سيرته وانتبه ل«تناقلت» هذه من فضلك أقلام كثيرة ألصقت به كل نقيصة، كأنه كان السوء كله، أو كأنه كان السيئ الوحيد في عصره، مع أن الرجل كانت له فضيلة كبري، لا «يجرؤ» علي إنكارها أحد، لكن لا «يجهر» بإقرارها أحد، وهي صموده الحديدي في وجه مساعي بريطانيا لاحتلال مصر، مع قبولها بتقاسم بعض ثروة بلادنا مع فرنسا، علي نحو ما تحقق فعلا. هذه الفضيلة سكت عنها تقريبا كل مؤرخينا وكتاب تاريخنا، وبينهم القوميون والناصريون، مع أنها واضحة كالشمس، وحسبك أن الرقابة المالية فرضت علي مصر عبر المراقبين جوشن وجوبير بعد 8 أيام لا غير من اختفائه (اختفي 10 من نوفمبر، وفرضت الرقابة 18 من نوفمبر 1876م) مع تحليلات صحفية وتصريحات رسمية خرجت في بريطانيا نفسها تؤكد أن التخلص من «المفتش» كان عتبة استسلام مصر، المستمر حتي اليوم، للهيمنة الغربية.
ولأن «معرفة السماع» هي تلقين من دون تفكير ولا تمحيص، والآلة الإعلامية الغربية الجبارة كانت تعمل بكل طاقتها علي تلويث سمعة الرجل حتي بعد موته فإننا نجد مؤرخا مواليا لأسرة محمد علي، هو «إلياس الأيوبي»، يسهب في وصف «المفتش» بأنه كان سكيرا، ويقول مرة إنه انتحر بشرب كأس شمبانيا، مع علمه بأنه مسموم (هكذا!) ومرة أخري يشير إلي أنه مات صريع الإدمان. مع أنها تهمة تتناقض جذريا مع اتهام آخر روجه الإعلام الغربي أيضا، وهو أن «المفتش» كان متعصبا دينيا، أو «متطرفا» وربما «إرهابيا» حسب التعبير الذي يشيعه الآن الإعلام الغربي نفسه. ويدحض «روتستين» هذا الاتهام حيث يقول: «اتهمت وكالة رويتر في تلغراف (أي في خبر من أخبارها) نشرته جريدة التايمز في 13 من نوفمبر (1876) بأنه «يظهر الخديو مظهر من يبيع مصر إلي المسيحيين ويثير شعور القوم الديني علي الأمور التي اقترحها (المراقبان الماليان) جوشن وجوبير». إن من عادة الأوربيين المفسدين إذا ما ثار شعب إسلامي علي مشروعاتهم الاستغلالية أن يرموا ذلك الشعب بالتعصب الديني». هذا ما قاله «روتستين» الشيوعي اليهودي ليتواني الأصل بريطاني ثم سوفيتي الإقامة، ولهذا قلت إنه «عاشق الحقيقة». وهذا ما لم تقله، ولم تستوعبه، ولم تقره ثلة السماعين والملقنين، لأنهم كسالي علي أضعف الإيمان!
ثم إن «روتستين» يعود لكشف المزايدة المتهافتة ب«التعصب الديني»، وذلك عند استعراضه واقعة اغتيال «بطرس باشا غالي» ورفض مفتي مصر أن يصدق علي الحكم بإعدام «إبراهيم ناصف الورداني»، الذي أطلق الرصاص علي رئيس النظار «بطرس باشا غالي» في 20 من فبراير 1910، لأن الأطباء اختلفوا حول ما إذا كان الرصاص الذي أطلقه هو السبب المباشر للوفاة أم خطأ الأطباء المعالجين. يقول «روتستين»: «لقد رفض المفتي الأكبر لأسباب شرعية أن يصدر الفتوي الضرورية في المصادقة علي الحكم بالإعدام، فما كان من الصحف الإنجليزية المصرية إلا أن مسخت (أي شوهت) المستند الذي سيقت فيه أسباب الرفض؛ لتوهم أنه بمقتضي الشريعة الإسلامية لا يحكم بالموت علي من قتل مسيحيا. وبعد أن شاعت تلك الصورة الممسوخة، وعملت عملها في إثارة الحفيظة الدينية في انجلترا، أرغم السير إدوارد جراي (إدوارد جراي: وزير خارجية بريطانيا من 10 من ديسمبر 1905 إلي 10 من ديسمبر 1916) علي إظهار المستند الأصلي (وذلك ردا علي سؤال ألقي في مجلس العموم في 7 من يوليو 1910) فإذا هو مستند عادي، اتبعت فيه أوضاع اصطلاحية، ولا يشير مطلقا إلي عقيدة المقتول. ومهما كانت نزعة المفتي السياسية، فإن فتواه علي كل حال قد تجوهلت، وأعدم الورداني سرا اتباعا لخطة وضعها اللورد كرومر علي أثر فضيحة دنشواي».
لم تكن فتوي المفتي هي كل ما تم تجاهله، فقد تجاهلت المحكمة اعتراض دفاع «إبراهيم ناصف الورداني» علي وجود «المستر بوند» بين أعضاء المحكمة، مع أنه كان أحد قضاة محكمة دنشواي، التي كان «بطرس غالي» من قضاتها هو الآخر، ومع أن «الورداني» قال عند التحقيق معه إن مشاركة «بطرس» في هذه المحكمة التي أعدمت وعذبت فلاحين مصريين كانت من دوافع قتله، وبقية الدوافع هي: توقيع «بطرس غالي» اتفاقية الحكم الثنائي للسودان في 19 من يناير 1899، وهي الاتفاقية التي جعلت بريطانيا نظريا شريكا لمصر في حكم السودان، وعمليا فقد فصلت هذه الاتفاقية السودان عن مصر، ذلك الفصل الذي تتوالي «فصوله» وتتواصل معاناة مصر منه. كما ذكر «الورداني» بين دوافع القتل توقيع «بطرس غالي» قانون النفي الإداري، الذي يطلق يد الاستعمار والحكومة العميلة في التنكيل بالوطنيين، في 4 من يوليو. ودوره في محاولة مد مشروع امتياز قناة السويس، ولو حدث لضاعت القناة من مصر نهائيا، وإهانته مجلس الشوري والجمعية العمومية. وكلها كما نري دوافع وطنية، لا أثر فيها للتعصب الديني، الذي لم يكن الحديث عنه أكثر من كذبة استعمارية، لكن كذبة مسموعة خير من حقيقة لا يراها الناس. وكان آخر ما ذكره «إبراهيم الورداني» من دوافع دعته لقتل «بطرس غالي» هو أنه، وفي 25 من مارس 1909، أعاد العمل بقانون المطبوعات القديم. والواقع أن ما حدث لم يكن إعادة، بل بعث قانون ميت ليصبح قيدا علي حرية الصحافة. حيث كان قانون المطبوعات وهو الأول في تاريخ مصر قد صدر موقعا من الخديو توفيق في 25 من نوفمبر 1881، لكنه لم يطبق، حتي كانت حادثة دنشواي، والدور الذي لعبته الصحف الوطنية في تنبيه الحس الوطني ضد الاستعمار، فطلب «اللورد كرومر» من رئيس وزرائه «بطرس غالي» إعادة العمل بالقانون، ليطبق في مصر وللمرة الأولي تشريع يقيد حرية الصحافة، ومن يومها والتشريعات تتوالي، حتي وصلنا إلي المادة 177 من قانون العقوبات، ونصها «يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات كل من حرض غيره علي عدم الانقياد للقوانين أو حسن أمراً من الأمور التي تعد جناية أو جنحة بحسب القانون» وهي التي يحاكم بها «وائل الإبراشي» في الدعوي التي رفعها ضده «يوسف بطرس غالي». فهل هناك من لم يدرك بعد أننا نتحدث عن الحاضر بكل حذافيره، ذلك الحاضر الذي يبدأ تشويهه بتزوير التاريخ، ثم إصدار هذا التزوير في موسوعات مدفوعة الثمن؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.