ثلاثة أحداث كاشفة وقعت في الأيام السابقة أزاحت الغشاوة عن عيون الذين تعلقوا بأهداب العدالة الغربية وقيم المهنية والشرف الإعلامي ورأوا في الغرب القدوة والمثل الذي يحتذي دون أن يعرفوا أن كل هذا صحيح إلا في حالة واحدة هي إسرائيل. إسرائيل هي كلمة السر التي عندها يصبح الرجال مخنثين وتصبح النساء بغايا. لا أحد يستطيع أن يصف إجرام إسرائيل بأنه إجرام وينجو بكلمة الحق التي قالها، لا أحد يستطيع أن يصف رجال المقاومة بكلمة إنصاف دون أن يتعرض للعقاب.منذ عدة أسابيع قالت هيلينا توماس- الصحفية المخضرمة وكبيرة مراسلي البيت الأبيض- تعليقاً علي مجزرة أسطول الحرية إن علي الإسرائيليين أن يتركوا الأرض لأصحابها الفلسطينيين وتنتهي المأساة، وعندما سُئلت وأين يذهبون؟! أجابت: إلي بلادهم حيث كانوا في بولندا وروسيا وألمانيا وسواها.رأي سياسي قالته السيدة التي تحظي باحترام الجميع في دوائر الحكم العليا في واشنطن كلفها وظيفتها وكلفها أن تنهي حياتها العملية الطويلة. ومنذ أيام كتبت أوكتافيا نصر التي كانت تترأس قسم الشرق الأوسط في شبكة «سي إن إن» علي مدونتها أنها كانت تحترم السيد حسين فضل الله المرجع الديني الراحل.مجرد كلمة طيبة قالتها في حق الرجل الجليل الذي حظي باحترام العالم كله ترتب عليها أن تم فصلها من الخدمة!.. وهو إجراء شديد النازية لا يصدر إلا عن سلطة مجرمة في العالم الثالث، ولكن هكذا هم في الغرب يتناسون حقوق الإنسان ويتغافلون عن مبادئ العدالة وحرية الرأي إذا تعلق الأمر بإسرائيل. ولعل هذا ما يسعد حكامنا الأشاوس الذين يرتعدون من غضب إسرائيل، ذلك أن باستطاعتهم الآن أن يقولوا لشعوبهم إن الخضوع لإسرائيل ليس مقتصرًا عليهم وحدهم وإنهم معذورون في استراتيجية الانبطاح!. الحدث الثالث كان مرتبطاً أيضاً بالسيد فضل الله الذي من الواضح أن سماحته ورحابة أفقه قد أسرت كل من تعامل معه لدرجة أن ممثلي دول ومراسلي شبكات تناصب المقاومين العداء لم يستطيعوا الإفلات من إنسانيتهم وهم يتحدثون عنه بعد رحيله. كتبت السفيرة البريطانية في بيروت فرانسيس جاي في مدونتها علي الإنترنت رثاء في السيد فضل الله تحت عنوان «وفاة رجل دمث» وقالت عنه إنه كان رجلاً محترماً ومن أكثر الذين حازوا إعجابها. قالت أيضاً إنها كانت تتمتع بلقاءاتها بفضل الله أكثر من أي سياسي لبناني آخر، وكتبت:«إن العالم بحاجة إلي الكثيرين من أمثاله ممن يدعون إلي مد الجسور بين الأديان ويعترفون بحقائق العالم المعاصر ويجرؤون علي مواجهة القيود البالية». وكتبت السفيرة في مدونتها أيضاً «إن لبنان برحيل فضل الله أصبح مكاناً أقل قيمة، فعندما تزوره تكون واثقاً من أنك ستحصل علي نقاش حقيقي وحجج وقورة، وتعرف أنك عند مغادرتك ستشعر وكأنك إنسان أفضل». وأضافت فرانسيس جاي: بالنسبة لي هذا هو الأثر الذي ينبغي أن يتركه أي رجل دين حقيقي، أن يؤثر في الناس مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم. بعد ذلك قامت وزارة الخارجية البريطانية بحذف التدوينة من علي الموقع وقالت إن ما كتبته السفيرة يمثل رأياً شخصياً لها. لكن يحمد للخارجية البريطانية أنها لم تقم بفصل السفيرة من الخدمة!. وفي الحقيقة أن هذا كله يجعلني أثمّن إلي أقصي حد الموقف التركي الشجاع من جريمة إسرائيل في حق أسطول الحرية وقتلها تسعة نشطاء مدنيين أتراك. إن تركيا ورئيس وزرائها يعرفان جيداً مدي الدلال الذي تتمتع به إسرائيل لدي الدول الكبري وفي الأممالمتحدة، ومع هذا فقد قدمت تركيا درساً لكل المخنثين بأن بيع الحقوق والتغاضي عن دم المواطنين ليس إجراء حكيماً كما يروج الذين كانوا وسيظلون دائماً «مع الرصين»!.