من أغرب الأقوال التى تقابلنى عندما يتفاخر معجب بمطربه المفضل مثلا قائلا: ده لو عمل ألبوم فاضى هاشتريه وأسمعه برضه! المطرب نفسه لا يشغلنى، بل تشغلنى الخدعة، خدعة أن تنبهر بالمطرب لا بالأغنية، بالفنان لا باللوحة، بالشاعر لا بالقصيدة، بالمسؤول لا بالتصريح. والفرق كبير، فالانبهار والإيمان التام بالشخص ربما يلهيانك ويعميانك عن رؤية مَواطن قصور إنتاجه، وربما انبهرت بأغنيته ولوحته وقصيدته وتصريحه رغم ما فيها من فساد ذوق واستسهال وغياب منطق لمجرد أنها تحمل اسمه، أما إعجابك بالمُنتَج نفسه فسيعطيك الحرية والبراح للتعامل مع كل عمل على حدة، تنبهر مرة وتنتقد مرة وتهاجم مرة. الأمر أخطر فى السياسة، فالبعض يظن أن انحيازك إلى مسؤول أو سياسى ما فى موقف ما هو إلا انحياز ممتد، وشيك على بياض ليفعل هذا المسؤول ما يطيب له على طول الخط، متحصنا باقتناعك به ومساندتك له، وهو غباء من المسؤول وممن يظن! بهذه الرؤية القاصرة يريد بها البعض أن يحصرك فى «مزنق» لا فكاك منه، أن تكون معه على طول الخط أو ضده على طول الخط، لا عقل ولا تفكير ولا تحليل متجرد بناء على المعطيات والظروف. سيظن أحدهم أنه يفحمك حين يقول: المبادئ لا تتغير.. والفرق كبير بين المبدأ والرأى المتغير، معارضة قتل الناس -أى ناس- ظلمًا مبدأ، التأكيد على فصل الدين -أى دين- عن ألاعيب السياسة مبدأ، البعد عن فحش القول -مهما كانت الظروف- مبدأ، أما انحيازى إلى رأى أحد السياسيين اليوم فلا يستوجب أبدًا أن يجعلنى أوافقه على أفعاله وأقواله على طول الخط. ولهذا، فلا تسمح لأحدهم أن يضعك فى مأزق «أنتَ معانا ولا مع التانيين؟».. ملعون الاتنين يا أخى.. أنا رئيس جمهورية نفسى!