جدل كبير دار خلال الفترة الماضية حول دور قطر فى تمويلها للإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، ولعل هذا الجدل قد جاء فى الوقت الذى استطاع فيه تنظيم «داعش» توسيع عملياته العسكرية على أرض العراقوسوريا، وهو ما يشير إلى أن تنفيذ العمليات العسكرية بدون تجفيف منابع تمويل التنظيم لن يجدى فى شىء. وتثار الشكوك حول قطر فى الفترة الأخيرة نظرًا إلى علاقتها القوية مع عديد من الحركات الإسلامية فى منطقة الشرق الأوسط، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وحركة حماس فى فلسطين، والميليشيات الإسلامية فى ليبيا، فى محاولة منها لكسب وُدّ تيار الإسلام السياسى الذى تصاعد بشكل كبير فى المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية. تتغاضى عن مراقبة المنظمات والأشخاص الذين يجمعون التبرعات للخارج
ولا تقع قطر فى دائرة الشك فقط كونها الدولة التى تتمتع بنفوذ اقتصادى واسع، خصوصا فى مجال الطاقة النفطية، ومن ثم تمتلك مصادر تمويلية كبيرة، ولكن البيئة التنظيمية والمؤسسية فى الدولة قد لعبت دورًا كبيرًا فى إثارة تلك الشكوك، من خلال التساهل بشكل كبير فى الرقابة على الجمعيات الخيرية والمنظمات والأشخاص الذين يقومون بجمع التبرعات المادية وإرسالها خارج البلاد، فعلى سبيل المثال هناك انتقاد دائم داخل قطر للعمل الخيرى بأنه يهتم بالخارج ولا يهتم بمتطلبات الداخل القطرى، ولا يتم استغلال أموال المتبرعين فى استثمارات ومشاريع خيرية، وتنفق الجمعيات القطرية سنويا ما يقرب من 90% من أموال التبرعات على المشاريع الخارجية، ويقدر البعض إجمالى التبرعات عام 2012 سجل ما يقرب من 1.5 مليار دولار، وذهبت لأعمال الإغاثة فى 108 دول، كان أبرزها اليمن وسوريا وليبيا ومالى. أخيرًا أثير تقرير لمجلة «نيويورك تايمز» كشف ضلوع قطر فى دعم حماس وبعض التنظيمات المتشددة التى تعمل فى سوريا عن طريق بعض الأشخاص والجمعيات الخيرية التى تقوم بجمع التبرعات وتوجيهها لجماعات بعينها، على رأسها جماعة جبهة النصرة فى سوريا، كما كشف مساعد وزير الخارجية التونسية أن عديدًا من الجمعيات القطرية ضالع فى تمويل الإرهاب فى تونس، على خلفية القبض على 11 عضوًا تونسيا ينشطون بإحدى الجمعيات بتهمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتلك الاتهامات فى الحقيقة ليست جديدة على نظام جمع التبرعات والجمعيات الخيرية القطرية، ففى عام 2012 وجهت جريدة «فورين بوليسى» اتهاما لجمعية «قطر الخيرية» بدعمها جهاديين من تنظيم القاعدة فى دولة مالى، وهؤلاء الجهاديون لم يكونوا مسلحين تسليحا جيدًا فقط، بل كانوا ممولين بشكل جيد أيضا. تلك الاتهامات المباشرة للمنظمات والجمعيات القطرية فى تمويل الإرهاب دفعت الأمير تميم، أمير قطر، الأسبوع الماضى، إلى إصدار قانون حمل الرقم 15 لعام 2014، يتعلق ب«تنظيم الأعمال الخيرية» ويحظر جمع التبرعات إلا بتصريح من مجلس إدارة هيئة تنظيم الأعمال الخيرية التابعة للحكومة، مع عقوبة تصل إلى الحبس 3 سنوات والغرامة 100 ألف ريال للمخالفة، مع التلويح بحل الجمعية فى حالة الاشتغال بالسياسة أو نقص الأعضاء أو مخالفة القانون، وحسب القانون، تلتزم الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة بتقديم جميع ما يلزم من معلومات أو مستندات أو بيانات لمعاونة هيئة تنظيم الأعمال الخيرية فى تحقيق أغراضها الرقابية، كما يحظر على الجمعيات استخدام اسم الدولة «قطر» فى اسمها أو أنشطتها. «النقد الدولى»:الدوحة تخاذلت فى محاسبة مرتكبى عمليات غسيل الأموال وتمويل المتشددين
ويعد إصدار هذا القانون مجرد إجراء شكلى لطمأنة دول بعينها بأن قطر تتخذ إجراءات جدية فى منع وقوع أى شبهة تمويل للإرهاب، ولكن الحل لا يكمن فى إقرار قطر ذلك القانون، بل يكمن فى تطبيقه ومتابعته، حيث إن السلطات القطرية أقرت قوانين مماثلة فى الماضى دون أن تتخذ الإجراءات الجدية لتنفيذها، ففى عام 2004، أصدرت قطر قانونا لمكافحة تمويل الإرهاب وأسست وحدة استخبارات مالية وأنشأت الهيئة القطرية للأعمال الخيرية، وأقرت قانونا آخر عام 2006 وسع الرقابة على الجمعيات الخيرية، كانت جميعها قوانين يمكن أن توصف بالشكلية، وهو ما كشفه تقرير لصندوق النقد الدولى عام 2006 فى أثناء تقييمه لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب فى قطر، وأشار التقرير إلى أن النظام الذى ينص على الإعلان عن أى أموال تنقل عبر الحدود «غير مطبق وغير فعال» وأن الحكومة القطرية تخاذلت فى عملية ضبط الأموال المرتبطة بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وفى آخر تقرير سنوى للخارجية الأمريكية عن الاتجاهات الإرهابية، وصفت أمريكا عملية إشراف قطر على التبرعات المحلية للمنظمات الخارجية بأنها «غير متناسقة»، وأن القوانين القطرية المعنية بقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب يوجد بها عديد من الثغرات ولا تطبق بشكل فعال. الخارجية الأمريكية: قوانين متابعة التبرعات المحلية للمنظمات الخارجية لا تطبَّق بشكل فعال و«كلها ثغرات»
ويبدو أن الدوائر الغربية تعى جيدًا عدم قدرة قطر على إنفاذ القوانين التى تقرها لتحجيم حركة الأموال الخاصة بالتبرعات، فبعد أيام من إقرار القانون بشكل رسمى وفى إشارة واضحة بأن هذا القانون لن يكون كافيًا لتبرئة الساحة القطرية من تهمة تمويل الإرهاب، طالب «ريكفند» رئيس لجنة الاستخبارات والأمن فى البرلمان البريطانى، بتشديد الخناق على قطر، وفرض عقوبات على الدول التى تسمح بمرور التمويلات للتنظيمات الإرهابية من خلالها، وأشار بشكل واضح إلى إمكانية تهديد تلك الأفعال للمصالح الاقتصادية بين قطر وبريطانيا فى المستقبل، وهو ما يؤكد أن دول الغرب لن تكتفى بسن قطر مجموعة من التشريعات والقوانين، ولكنها تريد تطبيقا فعليا لهذه القوانين على حركة الأموال العابرة لحدود قطر.