يجلس الواحد منهم ببدلته الفخمة فى الاستوديو المكيَّف، وأمامه المياه المعدنية، وينتظره فى الخارج سائقه الخاص داخل سيارته المرسيدس، لتقلّه إلى منزله فى الزمالك أو المعادى، ليرتاح قليلا حتى يأتى أولاده من النادى الشهير، وعندما يسأله أحد عن توظيف الشاب يقول: «الشباب مش راضى يشتغل.. الشغل مش عيب وكلنا واحد، والمجتمع كله هيحترمهم»، وعندما يأتى وقت الجد تخرج منه تصريحات شبيهة بتصريحات السيد نائب رئيس محكمة النقض عندما قال بالفم المليان: «ماينفعش ابن عامل النظافة يبقى قاضى علشان حساسية المنصب»! يخشى سيادة القاضى المسؤول من أن يتعرّض القاضى إلى موقف محرج عندما يسبّه أحد المتهمين «انت نسيت نفسك يا ابن الزبّال»، وقياسا على ذلك فابن ضابط الشرطة لن يكون إلا ابن ضابط شرطة حتى لا يقول له الحرامى: «هتقبض علىَّ يا ابن بتاع البقالة؟»، وضابط الجيش لن يكون إلا ابن ضابط جيش حتى لا يقول له العدو فى الحرب: «اخفض بندقيتك يا ابن بائع الدندورمة»! تصريحات السيد القاضى المسؤول لا تهدم أساس «25 يناير» ولا «30 يونيو» فقط، بل إنها تهدم أساس ثورة 23 يوليو نفسها التى بشّرت الجميع وقتها بانتهاء عهد الإقطاع، وأنه من الممكن أن يتزوَّج ابن الجناينى من بنت الباشا. فى الزواج ربما تظهر الطبقية، لأنها تخضع إلى حرية شخصية للأطراف المعنية، لكن هذا ليس زواجا، إنها حقوق مكفولة لأى مواطن، وإذا كانت الأعداد المتقدمة إلى المنصب كبيرة فالأوْلى أن يتم الاختيار بناءً على عوامل أخرى غير الحالة الاجتماعية. كلما تقدَّمنا خطوة كبلت حركتنا مثل هذه التصريحات، وتأكدنا أن البعض لن يسمح بأن يتغيَّر شىء فى مصر، بل يسحبنا بعنف إلى الخلف.. إلى وقت إذاعة مسلسل «الوسية»!