فجأة تلتقط أُذناك فى الشارع أغنية ما، وبدلًا من أن تستمتع بالأغنية تعود بك ذاكرتك إلى لحظة معينة فارقة فى حياتك تصادف أن سمعت فيها هذه الأغنية، لتظل الأغنية مرتبطة فى ذهنك بالحدث مهما طال الزمن. يحدث هذا معى دائمًا، والغريب أن كل الأحداث التى أتذكرها ترتبط فى ذهنى بأغانى عمرو دياب، والأغرب أننى لست من أولتراس عمرو دياب أصلًا، ولكن يبقى عمرو دياب هو الأكثر انتشارًا وتأثيرًا والأطول نجاحًا. رافقتنى أغانيه وأنا أهرب من تلاميذ الفصل بعد «المرواح»، لأننى كتبت اسمهم على السبورة فعاقبهم الأستاذ.. وأنا أحب أول حب فى حياتى فى الصف الثالث الابتدائى عندما كنا نفكِّر أنا وهى فى مستقبلنا فى «سنة رابعة».. وأنا أضع روايات الجيب تحت حزامى وأرخى القميص فوقها لأهرب بسرقتى من مكتبة قريبة.. وأنا أتلقَّى علقة محترمة من أُمِّى بعد اكتشافها للجريمة. تكتمل أسطورة القدرة العجيبة على التأثير على أجيال متعاقبة عندما أرى ابنى الصغير يتنطط على أغانيه تحديدًا، ويظهر سؤال: «إشمعنى هوّه؟». والإجابة بسيطة: هذا إنسان لا همّ له سوى عمله، ينتهى من ألبومه ليبدأ فى التفكير فى ألبومه القادم، لا تشغله شائعات المنافسين، ويعلم أن قيمته فى صمته وترفُّعه، لا يطمح لأن يكون مجيدًا فى عمله فقط، بل طموحه أن يظل الأول بلا منافس، عائلته دائمًا بعيدة عن الأضواء التى عادة ما تجلب المشكلات والشائعات، لا يلهث خلف الإعلام، بل يتفرَّد فيلهث خلفه الإعلام. يمكنك أن تتفق أو تختلف مع ما قدّمه عمرو دياب للغناء، أو مع الغناء ككل بين الجواز والتحريم، ولكنك ستقف مبهورًا بالتأكيد أمام حالة عجيبة من النجاح المتواصل، تحمل روشتة موجزة للتفرُّد، عبارة عن كلمة واحدة... «اشتغَل».