مشكلة أن تكتب عن رواية أن البعض سينتظر منك نقدًا أكاديميًّا تتطاير منه كلمات: السرد، القص، الاختزال، البناء.. وخلافه، والحقيقة أننى لا أحب ولا أعرف النقد الأكاديمى، وحُكمِى على أى عمل أدبى أو فنى يتوقف على مدى استمتاعى الشخصى لا أكثر ولا أقل، ولذلك فعندما أقول إن رواية «جرافيت» للكاتب المبدع هشام الخشن هى رواية رائعة فمعنى ذلك أننى استمتعت بها أيَّما استمتاع. قلما تجد كاتبًا يستخدم مثل هذه اللغة الجزلة فى روايته، بعضهم يلجأ إلى العامية أو اللغة الثالثة استسهالاً، ولكن هنا يمتعك هشام الخشن بلغته القيمة بلا استعراض، حتى فى الحوار بين الشخصيات يخدعك ببساطته فتظنه بالعامية، ولكنك تفاجأ بفصاحته. أن تكتب رواية تاريخية يعنى أن تقع عادة فى فخ التحريف والمحاباة، ولكن «جرافيت» تهرب من هذا المطب بابتكار شخصية من الخيال تدور حولها كل الشخصيات الحقيقية الأخرى، فستجد درية شفيق، زينب عبده، حسن البنا، أحمد السكرى، وغيرهم، وستجد أن المؤلف لم يكتفِ مثل بعض الروائيين بالكتابة عن الشخصيات فى خطوط متوازية بلا رابط أحيانا، بل إن الشخصيات جميعها تجتمع خيوطها بصورة أو بأخرى فى يد البطلة الخيالية السلبية إلى ما قبل النهاية.. نوال عارف. ستجد فى الرواية معنى عظيمًا، أن الحياة ليست دائما بالأبيض والأسود، وأن الإنسان قادر بصبره وإرادته أن يلون حياته كما يريد، يمكنه أن يصبح خانعًا مغلوبًا على أمره كنوال عارف، أو أن يقرر مصيره رغم العقبات مثل درية شفيق. لا يسعنى -لضيق المساحة- إلا أن أدعو القراء الأعزاء إلى قراءة هذه الرواية البديعة، وأن أهنئ هشام الخشن على روايته، وأشكره على نسختى التى زينها بإهدائه الأنيق، فلولاها لما قضيت ساعات من المتعة.