من أشجع وأهم ما قرأت - مؤخراً - شهادة المستشار أشرف البارودي - نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة - في الندوة التي نظمتها مؤسسة المرأة الجديدة الأربعاء الماضي والتي قال فيها البارودي شهادة مهمة في شأن أوضاع العدالة والنيابة العامة في مصر حيث قال البارودي نصا «نقلا عن المصري اليوم»: إن النيابة العامة أصبحت تدار بالتليفون المحمول وإن وكيل النائب العام أصبح دوره مجرد إلقاء الأسئلة مشدداً علي أن هناك سيطرة من النائب العام علي النيابة العامة .. واصفا أوضاع العدالة بأنها تعاني نزيفاً داخلياً وأنه في ظل الطوارئ يتم القبض علي المتهم بمجرد خروجه من المحكمة في الوقت الذي تتم فيه تبرئة قتلة الشاب «خالد سعيد»!! أحيي هذا القاضي العظيم الذي ينضم بشهادته لقائمة الإصلاحيين العظام في صرح القضاء المصري مثال الراحل يحيي الرفاعي . وأنطلق من هذه الشهادة الشجاعة لحقيقة معفرة بتراب الواقع هي أن النيابة العامة ومصلحة الطب الشرعي ليستا جهاتين منزهتين عن الخطأ أو التدخل أو التوجيه إلخ.. إلخ بوصفهما شعبتين أصيلتين من شعب السلطة التنفيذية وبوصفهما تابعتين لها .. وبمناسبة كلام المستشار البارودي أذكر واقعة تتصل بالعلاقة الوثيقة بين التوجيهات التليفونية وقرارات وتصرفات النيابة العامة في مصر في السنوات الأخيرة.. الواقعة كانت أثناء سجني حيث حضر لي في محبسي أحد رجال النيابة العامة للتحقيق معي في إحدي الواقعات حيث اتهمتني إدارة السجن أنني رددت هتافاً يقول «يسقط مبارك» !! مقدم البلاغ هو العميد محمود البساطي - مفتش مباحث منطقة طرة حينذاك -!! وعندما بدأ المحقق توجيه التهمة «الخطيرة في تقديره» لي قلت له حدث هذا فعلا مني !! ولا تصادم بين هذه العبارة والقانون !! فالرئيس يخوض الانتخابات لينجح أو ليسقط وأنا من أنصار الأخيرة !! الصدمة دفعت المحقق لأن يملي تليفونيا عبر جهازه المحمول إجابتي لقياداته قبل أن يكمل التحقيق، ثم واصل التحقيق بعد أن مزق الورقة الأولي وأعاد التحقيق حازفاً السؤال الأول وموجهاً سؤالاً ثانياً مشابها فأجبت بإجابة مشابهة لإجابتي الأولي فقام بدوره بمعاودة الاتصال ثم إعادة تمزيق الورقة !! وقبل أن يواصل المحقق التحقيق «التليفوني» وجدت نفسي بلا تفكير أمد يدي علي سطح المكتب الفاصل بيننا وأمسك بجهازه المحمول وأضعه دون تفكير في كوب الشاي الساخن الموجود علي المكتب أمام المحقق !! المحقق الشاب أصيب بحالة من الذهول والدهشة ومد يده داخل كوب الشاي لإنقاذ متأخر لجهازه المحمول وهو يقول: كده الجهاز باظ !! فقلت له: أفضل من أن تبوظ به التحقيق !! أسرع المحقق بجمع أوراقه وملفاته وأمر سكرتيره أن يلحق به وغادر غرفة مأمور سجن مزرعة طرة، ومنها لباب السجن ولم يعاود زيارتي في سجني أوسؤالي في البلاغ !! هذه القصة المعفرة بتراب الواقع ليست الأخطر في تاريخ علاقتي بالنيابة العامة في سجني وعلاقة قرارات النيابة بفكرة التوجيه التليفوني والذي يحمل في الغالب طبيعة سياسية أو أمنية !! ويكفي هنا أن أشير إلي عدم تصرف النيابة بالإحالة للمحكمة لأكثر من 2000 بلاغ تقدمت بمعظمها في قضايا سب وقذف ثابتة بالمنشور في الصحف من عيارات بطبيعتها تجسد الجريمة لكن النيابة العامة لم تحرك منها بلاغا واحدا للآن ؟!! ولأسباب مفهومة. .. هذا هو واقع حال النيابة العامة. ( وللحديث بقية ) شاركوني...