أتمني أن نتمتع بثقافة الاختلاف، ونعطي بعضنا البعض فرصة للحوار، فالنقاش في هذه المرحلة مهم وسيناقش أموراً كثيرة ستفيد الجيل الحالي والأجيال المقبلة. وأعترف من البداية بأنني لست بواعظ أو منظر ولكني فقط راصد ومتأمل لما يحدث حولي في مناقشة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، وأرجو أن أجد رداً لتساؤلاتي المقبلة من قادة الكنائس بمختلف الطوائف. خيراً فعلت الدولة عندما ألقت الكرة في ملعب الكنيسة المصرية بمختلف طوائفها حتي يتفقوا علي قانون موحد ثم تقر الدولة بعد ذلك ما يناسبهم بعد الدراسة والفحص. ورغم أنه ما أُعلن قبل ذلك أن جميع الطوائف متفقة علي بنود القانون ومواده، وآخرها ما قدم ك«مشروع للقانون» عام 1989، فإن ثمة اختلافات بدأت تظهر في الأفق بين طوائف ولم تعد الدولة طرفاً فيها، والاختلافات التي تناقش الآن ليست بتداعيات جديدة ظهرت أو متغيرات اجتماعية جديدة طرأت منذ عام 89 حتي الآن، ولكنها في واقع الأمر اختلافات تفسيرية في الكتاب المقدس. والاختلاف في حد ذاته سمة حضارية لا بأس بها، بل هو ضرورة ملحة خاصة عندما يتكون حول كلام الله ومقصده.. فأهم رسالة للسيد «المسيح» علي الأرض أن يرسخ قانوناً أرضياً يتفق مع القانون السماوي، وإعطاء وصايا الرب بعهد جديد بين الله والبشر. ومعني أن تختلف الطوائف والمذاهب علي هذه الوصايا يعطي دلالة أننا أمام عقول بشرية تختلف باختلاف المذاهب واختلاف الثقافات حول مقصد الله ووصاياه. وإن طبقنا هذا علي الزواج والطلاق في المسيحية فسنجد مثلاً تلك الآية التي تقول «الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان». والتساؤل هنا: ماذا عن حالات الطلاق التي حدثت قبل ذلك في قضايا مدنية.. أليست هذه تفرقة من قبل إنسان؟! وماذا عن حالات بطلان الزواج التي أعطتها الكنيسة قبل ذلك.. أليست هذه تفرقة من قبل إنسان؟! إذن هذه الحالات - باعتراف ضمني - هي حالات لم يجمعها الله.. لأنه بحسب القانون السماوي أن ما يجمعه الله لا يمكن تحت أي مسمي «طلاق أو بطلان» أن يفرقه إنسان. إذن لابد أن يكون هناك مقصد إلهي من هذه الآية وليست المسألة طقوسا كنسية تتم في مراسم الزواج.. لأن الكنيسة التي قامت بهذه الطقوس هي نفسها التي أعطت البطلان. وهنا لابد من تفسير «موحد» لمقصد الله في «ما جمعه»! شيء آخر أثار دهشتي من تصريحات أحد المحامين الأقباط من الذين يدعون أنهم محامو الكنيسة، قال إن عدد الحالات المنظور فيها أمام المجلس الإكليريكي هي سبعة آلاف حالة فقط، ويضيف: مش معقولة ح نهتم بدول وهناك ملايين الأقباط المستقرون أسرياً!! أولاً : لا أعلم من أين جاء بهذا الرقم «7 آلاف حالة» رغم أن هناك أرقاما أخري تؤكد أنهم سبعون ألف حالة.. أي 140 ألف زوج وزوجة ناهيك عن الأطفال. ثانياً: أيا كانت الأرقام.. فتلك الحالات تعاني أسرياً واجتماعياً، وقد ضلت طريقها لأي سبب من الأسباب، واكتشفوا أن زواجهم لم يجمعه الله، وأنهم يريدون تصحيح أوضاعهم الاجتماعية ويرضون الله. ألم يقل السيد «المسيح»: إن كان لإنسان مائة خروف وضل واحد منها أفلا يترك التسعة والتسعين علي الجبال ويذهب لأجل الضال حتي يجده؟! إذن يا عزيزي المحامي - ولا أذكر اسمه - رسالة المسيحية هي البحث عن الضالين، وليس ضرب عرض الحائط بهم. وقال أيضا السيد المسيح: «لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلي التوبة». فلنعتبر أن هؤلاء الذين فشلوا في حياتهم الزوجية قد أخطأوا - وهذا وارد - فهل نتجاهلهم؟ هل نحكم عليهم رمياً بالرصاص مثل خيول الحكومة؟ هل هذا هو مقصد الله؟ أم أن هؤلاء هم الأولي بالرعاية وحل مشاكلهم ودعوتهم للتوبة؟! ثم إن الوصايا جاءت لخدمة البشرية، وذلك لمسرة قلب الله، أي أن البشر لم يأت لتنفيذ الوصايا حفظاً وليست فهماً، بل إن الوصايا هي التي جاءت من أجل البشرية، من هنا لابد أن نترجم تلك الوصايا ونفسرها بما يخدم الإنسانية. أكرر مرة أخري إنني لست بواعظ، ولكن ربما يستخدمني الله أن أصل بكلماتي هذه إلي قلوب المسئولين في الكنيسة المصرية، ولا يصبح تحريك القانون من أجل الرد علي حكم المحكمة الإدارية العليا فقط، وسد الطريق علي كل من تسول له نفسه أن يأخذ حقه في الحياة ويتزوج مرة ثانية بعد أن أخطأ في المرة الأولي. إن المسألةأكبر وأعمق من مواقف فردية، المسألة تتعلق بآلاف الحالات المطلقة وينتظرون رحمة البشر في التصريح لهم بالزواج الثاني، فضلا عن حالات الطلاق الصامت الموجودة داخل بيوت المسيحيين، وقد تكون لها نتائج أكثر خطورة علي الأطفال وعلي أفراد الأسرة كلها عن تلك الحالات التي اتخذت إجراءات الطلاق بالفعل. نحن ندعي في أكثر من موقع أن غلق باب الطلاق سيحافظ علي الأسرة المسيحية، وهذا لا يحدث بل العكس صحيح. ففضلا عن أننا نعيش في مجتمع تعاني فيه مؤسسة الزواج بشكل عام أمراضاً خطيرة، بدءا من عدم القدرة علي اختيار شريك الحياة ومرورا بالأقنعة التي يرتديها كل فرد في مرحلة الارتباط ووصولاً إلي أسلوب الحياة الزوجية نفسه الذي يغلفه عدم التوافق وبالتالي الملل والرفض واستحالة العشرة، فضلا عن كل ذلك يتحمل الزوجان المسيحيان كل هذه الضغوط لمعرفتهما بأن الطريق مسدود.. مسدود يا ولدي أمامهما، فيزداد الضغط وتزداد الحياة كآبة وتزداد المشاكل بكل أنواعها. فأي حفاظ علي الأسرة بهذه الطريقة؟ نقول إن الطلاق ليس الأساس، وإن الحياة الزوجية كشركة مع الله هي الأساس، وهي التي ننشدها، لكن ماذا لو لم تحدث؟! ألا نجد لهم حلا؟! ألا يرحمهم الله؟ حاشي، ولكن لا يجدون رحمة من البشر. وكما قال داود النبي: قد ضاق بي الأمر جداً.. دعني أسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان.