إذا أردت أن تبحث فى أسباب نشأة الإنسان، كيف كان يأكل؟، وكيف يشرب؟، وكنت من أصحاب الفضول واكتشاف اللهجات الجديدة، فلن تحتاج إلى أن تسافر فى 200 يوم حول العالم، أو تشد الرحال إلى أقصى الأرض، فقط 60 كيلو متر راكبًا الحسكة من مدينة دمياط فى قلب بحيرة المنزلة، تعرّف على أناس يعيشون خارج حدود الزمان والمكان. داخل بحيرة المنزلة تقع جزيرة سيدى العزبى أو سيدنا الولى، بين محافظة دمياط ومحافظة الدقهلية، وتبعد عن مدينة دمياط بحوالى 60 كيلو متر، وطريقة الوصول إليها مراكب تسمى الحسكة أو اللنش فى رحلة تستغرق ساعتين بسبب تعدد الأحراش والأحواش السمكية، التى تعوق سيرالمراكب .
سكان الجزيرة حوالى 5000 نسمة، غالبيتهم من الصيادين، ولم يقيدو فى أى جهة رسمية فى الدولة، أطفالهم لم يدخلوا مدرسة فى حياتهم، ولا توجد لديهم مستشفيات ولا وحدات صحية، ولاأى نوع من الإتصالات، ولايعرفون الكهرباء، ولا المياه الطبيعية، يعيشون على أكل الاسماك والطيور، ويشربون فى الجراكن، التى يشترونها من القادمين من دمياط، وويشتركون فى تأجير مولد كهربائى لمدة ساعة ونصف على الأكثر بجنيه، تبدأ من المغرب حتى العشاء ثم ينام الجميع.
وتعود قصة الجزيرة الغامضة لما يزيد عن عشرات الأعوام، حينما هبط عليها صياد يدعى العزبى بعد جنوح مركبه ناحيتها فى يوم عاصف من أيام الشتاء فى شهر يناير، نتيجة هبوب نوة عظمى، أطاحت بالمركب ناحية الجزيرة وكان مع الصياد زوجته وأولاده، الذين يساعدونه فى الصيد، ولم يستطع العزبى إصلاح المركب، وعاش فى الجزيرة المجهولة لمدة زمنية.
وأطاحت الرياح والعواصف بمركب أخرى وبها عائلة صياد، وحدث تزاوج بين العائلتين، وبدء خلق الإنسان من جديد وإعمار الأرض، عاشا فى الجزيرة يأكلون من ثمار أشجارها ويصطادون الأسماك والطيور، ولما مات العزبى قرر أولاده أن يدفنوه فى قرية المنزلة، بلدته الأصلية، بعد أن تعارف عليهم الصيادون وتجار الأغذية والمياه وأصبحوا يترددون على الجزيرة لمبادلة السلع بالأسماك والطيور، وبعد أن وضع أبناء العزبى جثمانه على مركب وأبحروا متوجهين للمنزلة.
أتت عاصفة عظمى أطاحت بالمركب، وكما تقول الروايات طار نعش العزبى، وعاد هابطًا على مكان ما فى الجزيرة، رغم بعدهم عنها بأكثر من 30 كيلو حيث عادوا بعد أن أنقذهم الصيادون من الغرق وتصوروا أن جثمان والدهم قد إبتلعه البحر ليفاجئوا به فى المكان الذى كان يفضل الجلوس والنوم فيه عصرًا وتبين للجميع أن العزبى أوصى بدفنه فى هذا المكان لكن أبناءه خالفوا الوصية، فأصابهم بلاء عظيم حتى بنوا له مقام فى نفس المكان، وفى ليلة من الليالى ظهر ذئب فى الجزيرة أثار رعب الأهالى، واجتمعوا ليجدوا حلاً، فأعيتهم الحيل نظرًا لتعدد حوادث الذئب فى الفتك بعدد من الأطفال وحدث حينذاك أن إختفى طفل من الجزيرة وفى الصباح وجدوه داخل المقام وبجواره الذئب مصروعًا حرقا، ولما استفسروا من الطفل عن ماحدث أجابهم بأن الذئب دخل المقام وحاول الفتك بالطفل فظهر لهب فجأة وأحرق الذئب.