قرأت بمزيج من الاستغراب والإعجاب خبرا نشرته بعض الصحف يوم الاثنين الماضي يتحدث عن بيان أصدرته منظمة سرية مجهولة تسمي نفسها «المنظمة المصرية للدفاع عن الشرطة والمواطن» دافعت فيه دفاعا مجيدا وحارا عن «الشرطة» فقط، بمناسبة حادث القتل الوحشي الذي تعرض له «المواطن» السكندري خالد سعيد !! وحسب المقتطفات المنشورة من البيان فإن الست المنظمة المذكورة اعتبرت أن هناك«منظمات وجهات» هي التي أثارت قضية مقتل خالد، وأن هذه المنظمات والجهات «تقف وراءها جهات أخري خارجية تمولها (أي تمول الجهات الداخلية) لإثارة البلبلة في مصر وتوجيه الاتهامات الباطلة لوزراة الداخلية»، وأضاف البيان أن هذه «الجهات الداخلية» الممولة والعميلة «للجهات الخارجية» قامت بالليل والدنيا ضلمة بتحريض «الشباب والحركات غير الشرعية والمعارضين علي التظاهر ضد وزارة الداخلية»، كما أكد البيان أن معلومات الست التي أصدرته تقطع بأنه «توجد بعض الفتيات (المواطنات) يتحرشن برجال الشرطة ويوجهن لهم (للشرطة) السباب وبعدها يحررن محاضر ضدهم» في الشرطة برضه!! وأعود إلي الاستغراب والإعجاب اللذين استهللت بهما هذه السطور، وأبدأ بأن مصدر استغرابي من الخبر ليس أنه فاجأني بوجود منظمة آلت علي نفسها مهمة «الدفاع» عن جيوش الشرطة والمباحث (عددها يفوق المليون شخص ومسلحة بأقوي وأحدث أسلحة القمع) وإنما الغريب حقا أن تستعين هذه الجيوش بمنظمة سرية لا أحد يعرف أعضاءها المجاهيل مع أن هناك منظمة أخري علنية تقوم بالمهمة نفسها علي أكمل وجه وينخرط في عضويتها قطيع هائل من المخبرين اللامعين العابرين لكل التخصصات، ابتداءً من الصحافة والإعلام والتليفزيونات وخلافه، ومرورا بفرق النقابيين الصفر والزرق، وممثلين ومهرجين ومغنين ورقاصين درجة عاشرة ودرجة تاسعة ودرجة صفر.. وانتهاء بالمئات من السياسيين والنواب المزورين وأصحاب تراخيص أحزاب المعارضة الميري في أوقات الفراغ.. إلخ. غير أن دهشتي واستغرابي من وجود هذه المنظمة السرية لم يمنعاني من الإعجاب بمنهجها وخطها الفكري اللذين وشت بهما المقتطفات التي نشرتها الصحف من بيانها بشأن حادث مقتل الشاب خالد سعيد، فالقراءة المتأنية لهذا البيان من شأنها أن تبدد ذلك الانطباع المتسرع بأن ثمة تناقضاً بين تعمد المنظمة حشر كلمة «مواطن» حشرا في اسمها وبين موقفها المنحاز تماما لحق الشرطة في إزهاق روح أي «مواطن»، إذ يبدو أن الست المنظمة تتبني عقيدة جهادية تحترم التخصص في «العمل الوطني»، ومن ثم فحضرتها تؤمن بأن هناك ضرورة حيوية لتوزيع الوظائف و«الواجبات الوطنية» في المجتمع توزيعا عادلا وصارما كل بحسب إمكانياته وأسلحته ومواهبه، وعليه فإن المواهب والأسلحة المتوفرة للشرطة مثلا تؤهلها وتفرض عليها «واجب» قتل المواطن الأعزل، أما هذا الأخير ولأنه كذلك فإن واجبه الوطني يحتم عليه الانصياع والامتثال للقتل فورا وفي أي وقت، إثباتا لحسن الأدب والتربية الوطنية السليمة!! والحقيقة فإن مفهوم الأخت المنظمة إياها لعقيدة «التخصص» في أداء الواجبات الوطنية ظهر من المواقف التي عبرت عنها في بيانها متجاوزا النطاق المحلي الداخلي وممتداً وبقوة إلي «واجبات» العلاقة مع الخارج أيضا، ولهذا فقد قرأنا أن البيان يدين بشدة تلك «الجهات الداخلية» المجهولة التي اتهمها بالتعاون والتمول من «جهات خارجية» تستهدف إصابة مصر ب«البلبلة» في قلبها.. ولا مجال هنا طبعا للاستفسار عن السبب الذي يمنع قلب مصر من الأصابة ب«تبلبل» مماثل عندما تتعاون مباحثنا مع «جهة» مثل المخابرات المركزية الأمريكية وتقوم بعمليات تعذيب وحشي نيابة عن هذه «الجهة»؟! لامجال، لأن جناب المنظمة السرية ستقول لك إن مثل هذا التعاون مع هاتيك «الجهات» في ذاك النوع من العمليات القذرة، يدخل ضمن الاختصاص الحصري لمباحثنا الوطنية.. حماها الله!!