يحلو لبعض الأفلام اختيار أسوأ سلوك يمكن أن يخرج من البشر للتعبير عن أطهر العلاقات الإنسانية بين البشر، أفلام الأكشن والجريمة والقتل تجمع في معظمها علي أن الجريمة لا تفيد، بالطبع هناك أفلام معاصرة جعلت من الأمر جدلياً أو افتراضياً، فمن الممكن أن ينجو اللص السينمائي بغنيمته ولا تعثر عليه الشرطة السينمائية أبداً إذا كان نجماً وسيماً وخفيف الظل، ويتناول فيلم (فرسان) Horsemen أو (فرسان الظلام) حسب التسمية التجارية قضية اجتماعية إنسانية بصورة مزعجة ومؤلمة للغاية، مشاهد التعذيب والذبح والبقر والدماء التي كانت حاضرة في مشاهده بين الحين والآخر مزعجة للغاية رغم أنه ليس من تلك الأفلام التي تجعل الدماء والوحشية هدفاً لنوعية من الجمهور متعطشة لمشاهدة العنف والدماء، يمكن القول هنا أننا أمام «دماء» مبررة في سياق الدراما، وراء الفيلم فكرة إنسانية وإشارات من وحي الكتاب المقدس ولكن اختار لها المؤلف «ديف كالاهام» قالب شديد القسوة والعنف، وكانت الرقابة موفقة حينما قصرت مشاهدته للكبار فقط. الفيلم الذي اكتنف أحداثه غموض شديد تناول المصاعب التي تواجه محقق الشرطة بريسلين «دينيس كويد» الأرمل الذي فقد زوجته منذ فترة قصيرة بعد معاناة مع مرض السرطان، والذي توترت علاقته بابنيه بعد إهمالهما وانهماكه في عمله، في نفس الوقت يتعرض بريسلين لقضية صعبة ومركبة تتعلق بسلسلة جرائم قتل مروعة ومحيرة في وسائلها وأهدافها، يبدو الفيلم في البداية كما لو كان فيلمًا عن جرائم لقاتل متسلسل يترك للمحققين إشارات ورموز تبدو كما لو كانت توقيعه الخاص، ومثل هذه النوعية من الأفلام تلعب علي جاذبية غموض الجريمة والسعي للكشف من ورائها وهو غالباً شخص معقد نفسياً أو قرر معاقبة المجتمع والخلاص من ألم الظلم الذي تعرض له عن طريق ارتكاب جرائم بصورة مروعة تحدث صدي لدي المجتمع والمؤسسات الأمنية، وفي (فرسان الظلام) ميل لصبغ الفيلم بالأجواء النفسية خاصة شخصية المحقق الذي يؤديها «دينيس كويد»، فهو كزوج مفجوع في زوجته مازال يعاني من آثار صدمة هذا الفقدان رغم أنه لا يبدي هذا الشعور، يفتقد وجوده ابنيه الأكبر والأصغر، ولكنه بعد أن كبت حزنه داخله أعطي عمله أولوية كبري حتي إنه لا يكاد يلتقي بأبنائه أو حتي يدخل غرفهم، ويبدو هذا الخط الدرامي الأسري موازياً لخط الجرائم المتتالية التي يحقق بها نتيجة خبرته الخاصة في علم الطب الجنائي الخاص بالفم والأسنان، فأول سلسلة في هذه الجرائم تكون اكتشاف صياد لصينية مغطاة بها أسنان بشرية منزوعة من صاحبها بصورة وحشية وقاسية، وهذه الصينية الملقاة في مكان ناء وغير مأهول وبجوار عدد من الأشجار مكتوب عليها «تعال وشاهد»، وهذا المشهد الغامض المحاط بأجواء مخيفة وسط غابة شديدة البرودة وسماء رمادية وأرض من الجليد البارد كانت مفتاح الفيلم وقدمها المخرج «جوناس أكرلوند» ومدير التصوير بصورة جيدة للغاية، وبالإضافة إلي بعض المفاجآت والتحولات الدرامية في القصة خاصة في مشهد النهاية، فنحن أمام فيلم جريمة له عناصر قوية تؤهله إلي أن يكون فيلم جريمة ودراما نفسية جيد، ولكن مع كل هذا لا يمكن مقاومة الإحساس بالملل في كثير من أوقات الفيلم، والإحساس أيضا أن البطل لم يعايش الشخصية بصورة مقنعة، «دينيس كويد» ممثل لطيف وجذاب علي الشاشة ولكن كل هذا لم يثمر أو يساعد في التعاطف مع الشخصية التي يؤديها والتي يختلط الأمر علي المشاهد أحياناً إذا كان يقوم بدور طبيب شرعي أو محقق شرطة.. حوار الشخصيات لم يحمل أي جاذبية وكان فاتراً للغاية، ومن عناصر ضعف الفيلم الرئيسية.. دور الابنة المتبناة التي قامت به الممثلة الصينية «زي زانج» ظهر بشكل نمطي رغم انه من أهم الأدوار.. رسالة الفيلم يمكن توقعها وبالتالي توقع كثير من أحداث الفيلم بعد حوالي نصف ساعة من زمن المشاهدة.. لسنا إذا أمام فيلم فني رائع من نوعية فيلم Seven الذي قدمه المخرج «ديفيد فينشر» عام 1995 وتألق فيه عدد من النجوم مثل «مورجان فريمان» و«براد بيت»، وكلا الفيلمين حملا نفس العناصر والنوع والأسلوب مع اختلاف كبير في النتائج والإبهار الفني والأداء التمثيلي التي يمكن أن نقول بلا تردد أنها لم تكن في صالح فيلم «دينيس كويد» بأي صورة من الصور.