حمل فيلم «الثلاثة يشتغلونها» فكرة جذابة وبراقة للغاية، رغم عنوان الفيلم المبتذل وأفيشه شديد الركاكة الذي أوحي للجمهور أنه فيلم للأطفال علي عكس الحقيقة، وأما عن الفكرة الجذابة للفيلم، فهي تتركز تحديداً في بداية الفيلم الذي تناول بشكل ساخر تدهور مستوي التعليم في مصر من خلال افراز نموذج البطلة طالبة الثانوية العامة «نجيبة» التي تقوم بدورها «ياسمين عبد العزيز»، وهي طالبة متفوقة قدمها الفيلم بشكل كاريكاتوري للغاية.. فتاة تحفظ وتصم المناهج الدراسية دون فهم أو وعي لما تردده كالببغاء.. إنها أيضاً جاهلة تماماً بما يدور في الحياة الخارجية والمجتمع.. لا تشاهد التليفزيون ولا تختلط بأصدقاء، وهو النموذج نفسه الذي قدمته الممثلة الشابة مروة عبد المنعم في دور «دينا طحن» بمسلسل «الرقص علي السلالم المتحركة، وهو وللمصادفة كانت ياسمين عبد العزيز مشاركة في بطولته! يتجاوز الفيلم أسباب وجود شخصية مثل نجيبة في المجتمع، ويتجاوز نقد ورصد تفاصيل ومشاكل التعليم ليقفز إلي غرض الفيلم الأصلي، وهو توضيح أن وجود الطالب الجاهل رغم تفوقه الظاهري يجعل منه هدفاً سهلاً للأفاقين والمنافقين في عالم السياسة والدعوة الدينية أو حتي الحياة المستهترة اللاهية، ويغرق الفيلم في مهاجمة نماذج من المجتمع تقابلها نجيبة أثناء دراستها الجامعية، مثل شلل الشباب التافه المستهتر الذي يمثله نبيل (أمير المصري) أو الشباب الناشط سياسياً الذي يوجهه معارض يركب الموجة ويستغل الشباب مثل خالد (نضال الشافعي) أو الداعية الشاب الذي يتاجر بالدين مثل عامر حسان (شادي خلف)، والحقيقة أن الفيلم في ظاهره ونواياه جيد، ولكن الانتقائية التي شابته تجعل من مواقفه السياسية والفكرية اشتغالة في بعض الأحيان للمتفرج من المؤلف الذي أراد تمرير أفكاره علي طريقة حواديت الأطفال، فما تقابله نجيبة في حياتها سواء الداعية أو المعارض مثل بعبع الحواديت تماماً.. اختيار زاوية واحدة ونمطية لتصوير الشباب الحالي أو المعارضة أو دعاة الفضائيات جعل من أفكار الفيلم أفكارا موجهة حملت بعض التشويه والتسطيح والخلط لتيارات سياسية.. إنها نفس منطق الصحافة القومية والإعلام القومي الذي يصور أي معارض ومخالف بصورة ضبابية، ونموذج ذلك نراه بشكل أكبر في شخصية المعارض السياسي خالد، وكيف يظهر في الفيلم، فهو عضو مهم في حزب معارض ومنسق عام حركة «خنقتونا» وجماعة «6 فبراير» في إشارة واضحة إلي حركتي «كفاية» و«6 ابريل»، وهو أيضاً «عجن» درامي لتيارات سياسية مختلفة بصورة متعمدة لتظهر كلها وكأنها شيء واحد، وكما لم يركز الفيلم علي الرصد الساخر لتدهور التعليم كما هو مفترض، لم يقترب بأي نقد صريح لوزارة التربية والتعليم أو الحزب الوطني أو الحكومة، ولم يبرز أي جوانب ايجابية في شخصيات المعارضين أو الدعاة، ولهذا جاء النقد هنا نمطي وبلا مبررات، وفقد الفيلم التجريد الكاريكاتوري حينما بدأ في «التلسين» الدرامي علي حركات سياسية محددة، وليوسف معاطي مواقف شبيهة في سيناريوهات سابقة حينما قدم مشهدا لا ضرورة له في فيلم (السفارة في العمارة) يصور فيه «محمد شومان» شخصية مراسل قناة إخبارية اسمها قناة «المنارة» ينهي تقريره الاخباري ويفاجأ بحذاء يلقي عليه من ناحية الجمهور، وكان واضحاً أن الفيلم يتخذ موقف الحكومة المعادي لقناة الجزيرة والمنار. بطلة الفيلم «ياسمين عبد العزيز» رغم أنها في الإطار العام للفيلم قدمت عملاً أفضل من فيلمها الساذج السابق (الدادة دودي)، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن المخرج «علي إدريس» إلا أنها كممثلة لم تتطور كثيراً، مازالت تمتلك خفة ظل طبيعية لا تعتمد علي أدوات تمثيلية كبيرة، لذا فهي تلجأ كثيراً إلي المبالغة في الأداء، وقد اجتهدت في تقديم شخصية نجيبة دون خصوصية أو حساسية في الانتقال من حالة إلي حالة، فقد قدمت شخصية طالبة الثانوية العامة وطالبة الجامعة المستهترة والناشطة السياسية والداعية الدينية كأنها 4 شخصيات وليست شخصية واحدة.. هي نجيبة التي تتغير أفكارها دون أن تتغير ملامح رئيسية فيها، فنجيبة تتحدث بطريقة خاصة بها ثأثأة في نطق الحروف، ولكنها حينما تغير اللوك الخاص بها يتغير أيضاً طريقة نطقها وتتحدث بصورة طبيعية. حمل الفيلم أيضاً بعض المبالغات غير المنطقية.. منها أن الملابس توحي أن زمن الفيلم كله في الشتاء رغم أن الأحداث تتم طوال العام ومنها نتيجة الثانوية العامة التي تظهر في الصيف دائماً، أيضاً نجيبة تحصل بسهولة علي ملفات زملائها من إدارة الكلية لتبحث عن عريس بينهم، وزميلها نبيل يراهن علي أن نجيبة ستجلس بجواره في لجنة الامتحانات وستساعده في الغش رغم انه رهان غير مضمون، وأيضاً نجيبة تبادل ورقة إجابتها مع نبيل فينجح هو في امتحانات التيرم، بينما ترسب هي، فمن غير المنطقي أن امتحانات التيرم في الجامعة تتم في مادة وحيدة ويوم واحد، أضف لهذا بالطبع مسألة موافقة ناظرة مدرسة حكومية علي أن تعمل نجيبة مدرسة في المدرسة بلا مؤهلات أو موافقة الوزارة، ولكن رغم كل ذلك، فالفيلم احتوي علي بعض المواقف الكوميدية الضاحكة ولم يكن في سوء الفيلم السابق لنفس مجموعة العمل التي قدمت (الدادة دودي)، ويمكن القول أن الفيلم نجح كوميديا بتقدير جيد ورسب سياسياً بتقدير ضعيف جداً.